اشتداد الأزمة السورية والداخل الأردني

ثلاثة تحولات أساسية تقود إلى إعادة التفكير في التدابير الأردنية  الداخلية المتعلقة بالتعامل مع تداعيات الأزمة السورية، في الوقت الذي تتجه فيه الأمور في سورية نحو تصعيد غير مسبوق وإعادة تموضع في التقديرات الاستراتيجية؛ ليس في المحيط الإقليمي، بل وسط قوى المعارضة وتحالفاتها، هذه التحولات هي:اضافة اعلان
أولا: ازدياد حركة اللجوء نحو الأردن بشكل فاق التوقعات الأردنية التقليدية في كافة مراحل الأزمة، تلك التوقعات التي تعاملت على أساس أن أعداد اللاجئين لن تتجاوز 200 ألف لاجئ في اسوأ الظروف، ولكن الأرقام الرسمية تتحدث اليوم عن تجاوز الرقم ربع مليون لاجئ، بينما الأرقام غير الرسمية قد تضيف مائة ألف أخرى جلهم أولئك المنتشرون في المحافظات، في الوقت الذي ازدادت فيه حركة اللجوء بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة حتى وصل معدلها في بعض الأيام الى الف لاجئ في يوم واحد، وحسب رئيس الوزراء أصبح الأردن الدولة الأولى في العالم التي تستضيف لاجئين بالمقارنة مع عدد السكان، ما يطرح أسئلة حرجة على الدولة الأردنية تحتاج إجابات سريعة وحكيمة توازن بين المسؤولية الأخلاقية والقومية وبين المصالح والظروف والمحددات الداخلية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية العاصفة، ما يعني عمليا متى سيكون خيار إغلاق الحدود وتحت أي ظروف، بعدما أصبح احد الخيارات الموضوعة على الطاولة.
 ثانيا: ازدياد حدة العمليات العسكرية في جنوب سورية خلال الأسابيع الماضية، وأردنيا يقصد بالجنوب السوري من دمشق مرورا بدرعا وصولا الى المنفذ الحدودي. والأخطر من ذلك أن العمليات العسكرية المتبادلة التي تضرب دمشق في العمق باتت تستهدف مخيم اليرموك  بشكل مباشر، وهو أقدم وأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سورية، أنشئ العام 1957 ويضم نحو 200 ألف فلسطيني مع تجمعات اللاجئين القريبة منه. يستهدف المخيم في هذا الوقت من قبل كافة الأطراف من الجيش النظامي ومن الجيش الحر ومن التنظيمات السلفية، كل يصفي حساباته وعلى طريقته؛ وتحديدا بعد محاولات تنظيم أحمد جبريل (الجبهة الشعبية - القيادة العامة) بالزج بعناصر مسلحة من المخيم في المعركة الدائرة في سورية.
 انعكاسات اشتداد الأزمة السورية تضع المخيم على فوهة بركان، وتفرض عدة سيناريوهات في معركة دمشق؛ منها تحويل المخيم إلى ساحة لصراع عنيف بين الجيشين النظامي والحر، وسيناريو آخر يذهب نحو مواجهة بين الجيش الحر والجبهة الشعبية التي تسيطر على مفاصل هامة في المخيم، والسيناريو الثالث اقتتال فلسطيني – فلسطيني داخل المخيم على خطوط التماس بين طرفي المعادلة السورية. كل السيناريوهات تذهب الى أن المخيم سيدفع الثمن وسيكون ضحية مرحلة الحسم أومرحلة ما قبل الحسم، ما سيدفع نحو عملية تهجير ولجوء هائلة. وهنا يحتاج هذا الأمر إلى تفكير أردني معمق بعيدا عن المواقف المعلبة والحساسيات المسبقة والمعارك الواهمة التي تثار بين وقت وآخر على الساحة الأردنية، كلما جاءت سيرة اللاجئين وحق العودة.
ثالثا: إعادة التموضع في السياسة الخارجية الأردنية من الأزمة السورية، حيث تزداد القراءات التي تمهد إلى تغير في الموقف الاستراتيجي والسياسي المعلن والممارس عمليا إزاء الأزمة السورية منذ ما يقارب عاما ونصف العام والذي اتسم بالحياد والدعوة الى الحل السياسي. يأتي تبرير الموقف الاستراتيجي المنتظر الذي يحتمل أن يكون أكثر اشتباكا سياسيا في الأزمة تحت قائمة طويلة من المبررات أهمها ازدياد ضغط المحاور الإقليمية على الأردن والذي انعكس في تعبيرات سياسية واستراتيجية، لعل أهمها الضغوط الاقتصادية التي تمارس على الأردن بكل وضوح.
 اشتداد الأزمة السورية يتطلب أردنيا تأثيرا في مسار الأحداث، وأي تغير في الموقف السياسي يحتاج تقديرا دقيقا للموقف الداخلي.