اقتصاديون: أخطاء الحكومات المتعاقبة وراء الأزمة المالية الحالية

جانب من جلسة سابقة في مجلس النواب -(تصوير: أمجد الطويل)
جانب من جلسة سابقة في مجلس النواب -(تصوير: أمجد الطويل)

سماح بيبرس

عمان- أجمع خبراء واقتصاديون ينتمون لمدارس اقتصادية مختلفة أن النهج والسياسة الحكومية المتبعة منذ سنوات قادت البلاد الى ما تعيشه حاليا من أزمة مالية واقتصادية.اضافة اعلان
وأكدوا أن هذه البدائل لها انعكاسات سلبية اقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا، فيما يرى البعض بأنّ الحكومة "مضطرة" لاتخاذ قرارات وبدائل لزيادة ايراداتها نزولا عند شروط صندوق النقد الدولي.
يأتي هذا في الوقت الذي اعلنت فيه الحكومة أول من امس عن حزمة من الاجراءات التي تتضمن زيادات في الأسعار، تستهدف منها توفير 450 مليون دينار من الإيرادات في موازنتها للعام الحالي.
وتطال زيادات الأسعار المحروقات بما فيها أسطوانة الغاز المنزلية والمشتقات الأساسية، ومضاعفة رسوم تجديد جواز السفر، والغاء الإعفاءات عن السلع باستثناء المواد الغذائية الأساسية والأدوية ومدخلات انتاجها، إلى جانب توحيد ضريبة المبيعات ورفعها إلى 16 %.
وتأتي هذه الاجراءات استجابة لمتطلبات اتفاق ممدد بين المملكة وصندوق النقد الدولي وقع في آب (أغسطس) 2016  يتيح للأردن سحب ما يعادل 514.65 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 723 مليون دولار أو 150 % من حصة الأردن في الصندوق) تُصْرَف على مدار ثلاث سنوات بموجب "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF) وذلك لدعم برنامج الأردن للإصلاح الاقتصادي والمالي.
ويهدف البرنامج إلى تحقيق تقدم في جهود الضبط المالي من أجل تخفيض الدين العام ودفع عجلة الإصلاحات الهيكلية على نطاق واسع لتحسين الأوضاع الاقتصادية ومن ثم تحقيق النمو الاحتوائي لشرائح سكانية أوسع.
وزير تطوير القطاع العام سابقا الدكتور ماهر المدادحة أشار الى أنّ الحكومة "مضطرة" لاتخاذ مثل هذه القرارات "غير الشعبية" لتحقق ايرادات تصل الى 450 مليون دينار، لكنّ هذه القرارات لا بدّ أن تترافق مع "اعادة تقييم شامل للقطاعات وخطة  اقتصادية شاملة لها".
ويرى المدادحة بأن الحكومة مضطرة اليوم لزيادة الايرادات تطبيقا لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي لكنّ هذا الوضع وصلت اليه الحكومة بسبب "تقصير الحكومات المتعاقبة منذ 2005 التي تجاهلت تطبيق الاجندة الوطنية"، وباتت تكتفي بالقرارات "قصيرة الأجل التي تحل المشكلات بشكل مؤقت وتؤدي الى دحرجة المشكلة الى الأمام".
ويقر المدادحة بعدم وجود رؤية واضحة للاصلاح الاقتصادي، وأن ما قامت به الحكومات السابقة أنها "بحثت عن الشعبية وأجلت المشكلة ومعالجة العيوب الهيكلية في الاقتصاد".
وزير الاقتصاد السابق الاقتصادي سامر الطويل أشار الى أن الحكومة مضطرة لاتخاذ مثل هذه القرارات لتجميع مبلغ الـ 450 مليون دينار، وهي قرارات اعتبرها الطويل "تحديا كبيرا" لن يتم دون أن يترك ضررا اقتصاديا واجتماعيا.
وقال الطويل بأن زيادة اسعار البنزين أو ضريبة المبيعات والجمارك ستؤدي الى ايرادات مباشرة وسريعة للموازنة لكنها تكون مؤذية للمواطن والاقتصاد، داعيا الى الى ضرورة تحديد الفئات التي ستتحمّل أكثر من الفئات الأخرى.  
وأضاف الطويل بأن الحكومة في أزمة مالية واتفاقها مع صندوق النقد يضع البعد المالي أولوية على حساب الاولويات الأخرى.
ودعا الطويل الحكومة للأخذ بالبدائل الأقل ضررا اقتصاديا واجتماعيا وحتى امنيا، مشيرا الى أنّ الاولوية لا بد أن تكون للبعد الاجتماعي ثمّ الاقتصادي.
أمين عام الحزب الشيوعي الدكتور منير حمارنة أشار الى أنّ هذه مثل هذه القرارات لا تعتبر سوى "تكريس لنهج اقتصادي متبع منذ سنوات" و"هذا يعني استمرار الأزمة المالية والاقتصادية لهذا العام أزمة قاسية جدا". وأضاف أن العام 2017 سيكون الأصعب اقتصاديا من حيث ارتفاع تكاليف المعيشة والمديونية التي وصلت الى 27 مليار دولار كما هو معلن.
وأشار الحمارنة الى أن أصحاب المداخيل المتوسطة والمنخفضة لم تعد تحتمل هذه الزيادات في الرسوم والضرائب لأنها باتت تنعكس على الأسعار بشكل عام مع ثبات الدخول.
وقال الحمارنة إن الرضوخ الى طلبات صندوق النقد الدولي سيؤدي الى وضع البلاد على شفير الهاوية.
وأضاف أن الاردن في مأزق شديد، والسياسة المتبعة ستقود البلاد الى الوضع الأسوء، موضحا أن الحل ليس برفع الضرائب والرسوم وانما بتغيير النهج الاقتصادي المتبع، والذي بات تأثيره اقتصاديا واجتماعيا.
يشار هنا الى أن الأردن طبق سابقا عدة برامج للتصحيح الاقتصادي حتمت على الأردن تطبيق اصلاحات مالية واقتصادية اعتبرت "غير شعبية وقاسية" مقابل الحصول على قروض ومساعدات.
وكان آخر ما طبق هو برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقه الأردن خلال (2012 - 2015) والذي تضمن شروطا قاسية أدت الى رفع أسعار المحروقات نهاية 2012 مع حكومة عبدالله النسور السابقة، وكان ذلك مقابل الحصول على منح خارجية وتمويل استثنائي لتغطية الفجوة التمويلية في الموازنة؛ مقابل الحصول على 2 مليار دولار.
كما طبق الأردن في الفترة الواقعة بين 1989 و2004، برنامج اصلاح اتبع خلالها البنك المركزي سياسات نقدية متشددة لمواجهة الضغط على العملة الوطنية، وأزمة ميزان المدفوعات التي كان يعاني منها الأردن العام 1989.
وكان البرنامج الإصلاحي الذي طبق بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ساعد الأردن بسحب 125 مليون دولار من موارد الصندوق. وكان من أهداف البرنامج تخفيض عجز الموازنة بنسبة 24 % من إجمالي الناتج المحلي الى ما نسبته 10 % بحلول العام 1993، وتشجيع النمو الاقتصادي الذي يدعمه التصدير، وتخفيض معدل التضخم.
كما كان الأردن طبق برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي انطلق العمل به العام 2002 وانتهى العام 2005، والذي قام على فلسفة الاستثمار في عمليات الإصلاح التي تساعد على الوصول إلى التنمية المستدامة، وفي تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية والقضائية، وفي تحسين الخدمات الحكومية الأساسية المقدمة للمواطنين، خصوصا في المناطق النائية مع التركيز على قطاعات الصحة والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتنمية المحافظات ومحاربة الفقر والبطالة بمنهجية قائمة على مبدأ تعزيز الإنتاجية.