اقتصاد الأردن في مؤشر المعرفة العالمي

يقوم مؤشر المعرفة العالمي، الذي يصدر عن مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP بتحليل وضع الدول في مجال المعرفة في قطاعات سبعة.اضافة اعلان
ثلاثة من هذه القطاعات في مجال التعليم، بما فيها التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي والتعليم التقني والتدريب المهني، ثم أربعة قطاعات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبحث والتطوير والابتكار، والاقتصاد، والبيئات التمكينية.
واحتل الأردن مركزاً متوسطاً لا بأس به في العام 2017، إذ كان في المركز 62 ضمن الدول المشاركة، وهي 131 دولة، كما احتل المركز الخامس بين الدول العربية في ذلك العام، واحتل التعليم العالي مرتبة متقدمة بين الدول وصلت إلى 34 من أصل 131 دولة.
بيد أن المقلق اليوم أن المؤشر للعام 2018 أظهر تراجعاً ملموساً في جميع القطاعات السبعة، وفي جميع المتغيرات المكونة من 133 متغيراً في تلك القطاعات.
وليس الاهتمام هنا بالحديث عن التراجع، وإنما عن ضرورة الانتباه إلى تلك المؤشرات التي أدت إلى تراجع مرتبة الأردن بين 134 إلى المركز 76 أي بتراجع قدره 14 مركزاً عن العام المنصرم، وإلى المركز الثامن بين الدول العربية بدلاً من المركز الخامس. والحقيقة أن قطاع التعليم بمراحله كافة شهد التراجع الأكبر بين المؤشرات، فالتعليم المدرسي تراجع من المركز 53 إلى 93.
والتعليم التقني والتدريب المهني تراجع من المركز 98 إلى 104، والتعليم الجامعي من 34 إلى 44.
وهذه المؤشرات تشكِّل جرس إنذارٍ يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات التعليمية بمراحلها المختلفة، بل ويعيد إلى قطاع التعليم الاهتمام الذي يستحق، وهو القطاع الذي لا يمثله وزير متفرغ على مدى الشهور الخمسة الماضية تقريباً.
أما باقي القطاعات فقد شهدت تراجعاً مختلفاً في الحجم والزخم؛ حيث تراجع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنحو 16 مركزاً، وتراجع قطاعا البيئات التمكينية، والبحث والتطوير والابتكار بمركز واحد، في حين تراجع قطاع الاقتصاد من المركز 47 إلى المركز 50؛ أي بثلاثة مراكز عن العام 2017.
وبالتركيز على قطاع الاقتصاد الذي يتكون من محاور ثلاثة: التنافسية، والانفتاح، والتمويل والضرائب والقيمة المضافة، فإن الملاحظ تراجع البنية التحتية الاقتصادية والمنافسة بنحو 14 مركزاً.
وهو أمرٌ يتعلَّق بشكل أساس بقضايا التنافسية في مجال سهولة الأعمال، ومستوى المنافسة المحلية، وسهولة إنفاذ العقود وحجم الاستثمار الحقيقي في الاقتصاد، ما يعني هنا تعزيز أهمية إعادة النظر في العديد من الإجراءات والسياسات المتعلقة بالاسثتمار تحفيزاً وجذباً.
وتلك في معظمها إجراءات وسياسات ليس لها علاقة بالحوافز المالية ولا تتطلَّب المزيد منها، بل تتطلَّب قطع العديد من المعيقات الإدارية والإجرائية أمام المستثمر المحلي والخارجي. أمّا في مجال الانفتاح الاقتصادي، والمكوَّن من محورين؛ هما مستوى الانفتاح على الاقتصاد الإبداعي، والتبادل التجاري، فإنَّ التراجع كان طفيفاً؛ حيث تراجع المستوى العام للبندين بنحو 5 مراكز.
وقد كان التراجع أكبر في مستويات التبادل التجاري، بيد أنَّه من المفيد الانتباه إلى أنَّ العوائق غير الجمركية؛ أي العوائق الإدارية أمام التبادل التجاري وضعت الأردن في المركز 104 بين الدول المشاركة، وهي 134 دولة.
ما يعني أنَّ المشكلة في الصادرات، وحتى في الاستيراد، بما في ذلك استيراد المواد الخام للصناعة، هي مشاكل غير جمركية بل إدارية وإجرائية بالدرجة الأولى.
وختاماً، فإنَّ الجميل في مؤشر المعرفة العالمي هو أنه بوابة واسعة ونافذة مُشَرَّعة على 133 متغيراً مهم لكل دولة، وأنَّ الاهتمام في الأساس يجب أن ينصب على تحليل أسباب التراجع في أي من القطاعات السبعة التي يحتويها المؤشر.
ومن هنا، فإنَّ صانع القرار في القطاعات السبعة، وخاصة في مجال التعليم، وفي مجال الاقتصاد، وفي مجال البيئات التمكينية؛ أي الاستثمار ومقوماته، يجب أن يفزع إلى تحليل النتائج، وأن يلجأ إلى المختصين لمعرفة أوجه القصور، وكيفية تجاوزها.
باعتقادي أنَّ أمام الأردن فرصة مهمة هذا العام، ليبرز كإحدى الدول التي قفزت بشكل جوهري في قطاعات مؤشر المعرفة العالمي كافة، ولعلَّ الجهد المطلوب لا يستدعي الكثير من العمل بقدر ما يستدعي الإصرار على تطوير الظروف والإجراءات، والسياسات المُكَوِّنة لمتغيرات المؤشر.
الأردن، بجهوده الذاتية وقدراته البشرية، بإمكانه دوماً أن يتطوَّر إلى الأفضل إذا ما سعى أصحاب القرار في المواقع الحكومية المختلفة إلى ذلك والأمل أن يتبوَّأ الأردن مركزاً متقدماً في قطاعات المعرفة السبعة في العام الحالي.