اقتصاد الحرب لا يصنع الأوطان

لم يكن اقتصاد الحرب في يوم يشكل مكسبا، إلا لتجار السلاح والعتاد والبشر، نحتاج في الأردن الى فريق بحثي يحسب كم خسر هذا البلد جراء الحروب التي أحاطت به على مدى سبعة عقود، وكيف عمل غياب الاستقرار على ضياع فرص التنمية والتحديث وتشوه مصير أجيال من الآباء والأبناء والأحفاد.

اضافة اعلان

ثمة مقولة مغلوطة وتضليلية انتشرت وسط بعض المحللين منذ سنوات طويلة، تقول إن الأردن بلد يستفيد من حروب المنطقة وأزماتها، والمقصود تحقيق مكتسبات اقتصادية نتيجة تداعيات الحروب والأزمات بحكم الجغرافيا والضرورة، في الحقيقة لا توجد أدلة قوية وصلبة تؤكد بالفعل أن الأردن حقق مكاسب اقتصادية واستراتيجية من حروب المنطقة، في المقابل توجد أدلة عديدة وصلبة تؤكد حجم الخسائر التي لحقت بالأردن والتشوهات التي لحقت باقتصاده الهش نتيجة هذه الحروب والأزمات، بالمقارنة مع فرضية لو أن مساري النمو والتطور قد سارا في إطارهما الطبيعي.

تنطبق هذه الحقيقة على حروب المنطقة وأزماتها منذ حرب لبنان مرورا بالحرب العراقية الإيرانية وحرب الكويت وحروب العراق وحصاراتها اللاحقة وصولا الى الحرب السورية الراهنة. أوجدت هذه الحروب والأزمات المتتابعة التي وجد الأردن أنه وسطها ولا بد من التعامل معها، حالة تعايش مع اقتصاد حرب مشوه لا يتوقف، حالة من الطوارئ التاريخية المزمنة التي لا يمكن تجاوز آثارها الكبيرة في إنتاج هياكل اقتصادية مشوهة من دون إنكار العوامل الذاتية، هذا التشوه كان يأخذ في كل حرب أبعادا وآثارا مختلفة قد تتوارى بعض الوقت خلف مصالح آنية لفئات أو طبقة ما تزدهر مصالحها على الحروب، وقد تخلق هوامش للفساد والإفساد والظواهر الغامضة، وعلى كل الأحوال، أسهمت هذه الحروب وحالة غياب الاستقرار في حرمان الاقتصاد الأردني من فرص النمو الطبيعي والتفاعل الإيحابي مع البيئات المحيطة به.

تقدم الحرب السورية الراهنة أدلة قوية على الآثار بالغة الخطورة التي لا تتوقف على هذا الجيل من الأردنيين بل وعلى الأجيال المقبلة، ولقد حان الوقت أن نتتبع الطرق التي اتبعتها دولة مثل تركيا في تحويل الحرب في سورية الى فرصة على أكثر من مستوى مقارنة من الخسائر التي يعانيها الاقتصاد الأردني الذي بات محاصرا من كل الجهات بفعل الحروب والأزمات، علاوة على الأثمان الكبيرة التي دفعها نتيجة استقبال موجات اللاجئين في الوقت الذي تتضاءل فيه الاستجابة الدولية للمطالب الاقتصادية وللوفاء باحتياجات هذه الكتل البشرية التي جعلت من عدد سكان بلد صغير يتضاعف خلال عقد واحد مع تواضع حاد في معدلات النمو الاقتصادي.

في المقابل، حققت تركيا عوائد كبيرة من قصة بيع النفط الرخيص الذي سيطرت عليه التنظيمات المتطرفة وبقيت تستفيد منه لسنوات طويلة، وحققت عوائد كبيرة من أكبر عملية نقل ممنهج للصناعات السورية من مدينة حلب الى المدن التركية القريبة من الحدود، ويلاحظ كيف ازدهرت مدينة مثل غازي عنتاب التي انتقلت إليها آلاف المعامل والمصانع السورية من حلب؛ حيث تم تدمير أو تهريب نحو 50 ألف مصنع، علينا أن نقارن بين ما آلت إليه المفرق أو الرمثا وما جنته من الحرب الدائرة بالقرب من الحدود بالمقارنة مع المدن التركية، في الوقت الذي حلت الصناعات التركية محل السورية وأغرقت المنطقة ومنها الأسواق الأردنية، ومع كل ذلك كانت حصة تركيا هي الأكبر من المساعدات الدولية الخاصة باللاجئين.

على كل الأحوال، اقتصاد الحرب حالة مشوهة، والازدهار الحقيقي يرتبط بالاستقرارين الداخلي والإقليمي معا، ونحن نحتاج إلى جرأة ومصداقية أكثر لكي يعرف الناس ما يجري بالفعل.