اقتصاد الكوارث الطبيعية

جوستين يي فو لين؛ أبورفا سانغي*
واشنطن - على الرغم من كل الأخبار الاقتصادية الكئيبة في أيامنا هذه، فإذا كنا نتصور أن الأمور من غير الممكن أن تزداد سوءا، فلدينا تَذكِرة قاسية هذا الشهر بأن لا دولة في العالم محصنة ضد قوى الطبيعة والدمار الذي قد تحدثه. فقبل عامين، في الثاني عشر من كانون الثاني (يناير) من العام 2010، ضَرَب هاييتي زلزال مدمر قتل أكثر من 220 ألف شخص، وخرب التوقعات الاقتصادية للبلاد.اضافة اعلان
وبقدر ما قد يبدو هذا غريبا، فبوسعنا أن نتعلم الكثير من الطب الصيني التقليدي فيما يتصل بالتعامل مع الكوارث ــ والاهتمام بشكل خاص بالوقاية قبل العلاج. وعلى  النحو نفسه، من الأفضل أن نركز على الحد من مخاطر الكوارث الطبيعية من خلال جهود الوقاية.
وفقاً لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة تحت عنوان "المخاطر الطبيعية والكوارث غير الطبيعية: اقتصاديات الوقاية الفعّالة"، فإن درهم وقاية في التخطيط لمنع الكوارث خير من قنطار من العلاج. أي أن الوقاية تعود علينا بالفائدة إذا تم التخطيط لها بالشكل السليم. وهذا يعني تصحيح الحوافز.
فمن الممكن أن تلعب الحوافز على المستويات كافة ــ الدولية، والحكومية، والفردية ــ دوراً بالغ الأهمية في المساعدة في منع المخاطر الطبيعية من التحول إلى كوارث. ويقدم لنا التقرير الصادر عن تير فند، وهي مؤسسة خيرية رائدة في مجال الإغاثة والتنمية، مثالاً مفيداً من موزمبيق. ففي العام 2000، طلبت موزمبيق 3 إلى 4 ملايين دولار أميركي من البلدان المانحة لمساعدتها في الاستعداد لفيضانات وشيكة. ولقد تلقت نحو نصف هذا المبلغ فقط. ولكن بعد أن ضربت الفيضانات البلاد، قدمت الجهات المانحة لموزمبيق أكثر من مائة مليون دولار في مجال الإغاثة وحدها، وتعهدت بمنحها أكثر من 450 مليون دولار لأعمال الترميم وإعادة البناء.
إن الكيفية التي توجه بها الجهات المانحة المساعدات تشكل أهمية كبرى. فالاستثمار في الوقاية يعني غالباً الإنفاق الطويل الأمد على التنمية. وبوسع الجهات المانحة أن تخصص مساعدات التنمية لمجالات محددة ــ على النقيض من المساعدات الإنسانية، التي تركز في الأساس على الاستجابة الفورية وأعمال الإغاثة ــ فيما يتصل بالأنشطة المرتبطة بالوقاية.
ولكن المسؤولية عن التوجيه الصحيح للمساعدات لا تقع على عاتق الجهات المانحة فحسب. بل وتلعب الحكومات دوراً حاسماً في منع الكوارث ــ عن طريق توفير المعلومات في المقام الأول، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم التهديدات، والتحذير من المخاطر الوشيكة، وضمان عكس الأسواق والأفراد لهذه المخاطر.
إن التكنولوجيا اللازمة لإنتاج معلومات مفيدة متوفرة، ولكن من المؤسف أن العديد من البلدان لا تستفيد منها بشكل كامل. على سبيل المثال، على الرغم من تعرض اليابان وإندونيسيا لأنشطة زلزالية مماثلة، فإن اليابان مجهزة بأكثر من 1000 جهاز لقياس الزلازل، مقارنة بنحو 160 جهازا فقط في إندونيسيا، التي تقترب مساحتها من خمسة أمثال مساحة اليابان.
ولكن هناك أيضاً القضية الأكثر جوهرية والمتمثلة في جعل المعلومات المتاحة علنية ويسهل الوصول إليها، وهو ما لا يحدث غالبا، لأسباب تتعلق في كثير من الأحيان بالأمن القومي، أو التجاري، أو لأسباب تتعلق بالخصوصية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تعمل هيئة إدارة الطوارئ الفيدرالية على تحديث خرائط المخاطر الساحلية لمنطقة خليج المكسيك المعرضة للمخاطر، ولكن هناك مقاومة لتبني هذه الخرائط لأن مثل هذه المعلومات قد تؤدي إلى خفض أسعار العقارات.
ولكن الأسعار هي على وجه التحديد ما يستجيب له الأفراد في نهاية المطاف، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى للحوافز المنحرفة التي تساهم في إحداث نتائج مأساوية في حين قد تساعد الحوافز الصحيحة في تشجيع ثقافة الوقاية. وإذا استمرت الضغوط السياسية في الإبقاء على أسعار التأمين منخفضة، على سبيل المثال، فإن هذا من شأنه أن يشجع الناس على البناء في المناطق المعرضة للخطر، وبالتالي زيادة تعرضهم للمخاطر.
وهناك مثال آخر للأسعار المشوهة يأتي من مومباي، حيث كانت مراقبة الإيجارات مسيطرة على نطاق واسع. فقد أهمل أصحاب الأملاك صيانتها لعقود من الزمان؛ لأنهم عجزوا عن استرداد التكاليف من خلال زيادة الإيجارات، الأمر الذي أدى إلى انهيار المباني تحت وطأة الأمطار الموسمية في كل عام. ومثل التحكم في الإيجارات فإن الملكية غير الآمنة تعمل أيضاً على الحد من الحوافز التي قد تدفع الأفراد إلى الاستثمار الطويل الأجل في الوقاية.
وفي بيرو، يأتي تخصيص الأراضي مصحوباً بزيادة قدرها 70 % تقريباً في عمليات ترميم المساكن في غضون أربعة أعوام. وهذا يعني ضمناً أن الحكومات لابد وأن تسمح لأسواق الأراضي والإسكان بالعمل، ولكن عليها في الوقت نفسه أن تكمل عمل هذه الأسواق بتدخلات موجهة كلما لزم الأمر؛ لأنه عندما يحصل الأفراد على المعلومات الصحيحة فإنهم يتخذون عموماً القرارات الصحيحة.
وتزداد هذه الاعتبارات أهمية في ضوء التعرض المتزايد للكوارث. فبحلول العام 2050، قد تزداد أعداد المعرضين للعواصف والزلازل إلى أكثر من الضعف، إلى نحو 1,5 مليار نسمة ــ وهذا من دون الأخذ في الحسبان النتائج المترتبة على تغير المناخ. إن تنامي المدن والمناخ المتغير من العوامل التي تساهم في صياغة مستقبل الوقاية من الكوارث. ولكن المناقشة الدائرة حول ما إذا كانت الفيضانات التي اجتاحت تايلاند مؤخرا أو إعصار كاترينا نتيجة حتمية لتغير المناخ، تعمل على صرف الانتباه عن السياسات التي ما تزال تسيء تقدير حجم المخاطر، وتشجع على سلوكيات خطرة في الأمد البعيد.
إن تقديم الحوافز المناسبة، بدعم من مؤسسات ذات مصداقية وجديرة بالثقة على المستويات كافة، من شأنه أن يضمن عدم ترجمة التعرض المتزايد للمخاطر إلى نقاط ضعف خطيرة. لا شك أن المخاطر الطبيعية لا مفر منها، ولكننا نمتلك على المستويات كافة القوة اللازمة لضمان عدم تحول هذه المخاطر الطبيعية إلى كوارث غير طبيعية.
*جوستين يي فو لين النائب الأول لرئيس البنك الدولي. أبورفا سانغي كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي.
خاص بـ الغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.