اقتصاد في أيد مرتجفة

سلامة الدرعاوي أكثر شيء مؤلم لدى تشخيص الواقع الاقتصادي هو المعرفة الحقيقية لطبيعة المشاكل والتحديات والحلول ومع ذلك تجد المسؤول لا يحرك ساكناً تجاه تغير الواقع. لا ينقص المسؤولين في الوزارات الفهم الكامل لأي مشكلة تواجه أي رجل أعمال او تحفيز أي قطاع اقتصاديّ، لكنه للأسف لايستطيع التحرك بسب خوفه من اتخاذ أي قرارات تصويبية تعود عليه بالمساءلة والمحاسبة. ومن بعدها يدخل تحت مظلة الفساد، لذلك يفضل المسؤول الدخول إلى منصبه وإبقاء الحالة والوضع الاقتصاديّ على ما هو عليه، فالذي يعمل في العادة يخطئ، والذي لا يعمل ينجو من المحاسبة وشبهات الفساد، وهذا الأخير هو ما يسود في عقل كل مسؤول. لكن السوال الذي يطرح نفسه، لماذا وصلنا إلى هذا المستوى من الإدارة المزرية في الشأن الاقتصاديّ؟. حالة عدم اتخاذ القرارات والخوف من اتخاذها او الخوض فيها ليس وليد لحظة بين ليلة وضحاها، بل هي عملية تراكمية على مدى سنوات سببها الرئيسي هو تعيينات الواسطات والمحسوبية التي امتلأت بها مؤسسات القطاع العام المختلفة. فالغالبية منهم لا يملكون الكفاءة الحقيقية لتولي منصب للخدمة العامة، ومعظمهم ينظر للمنصب باعتباره منصبا للثراء والوصول إلى مراتب اجتماعيّة عالية نتيجة السلطة الممنوحة للموظف العام في إدارة الشأن الاقتصاديّ، فجل تفكيرهم ينصب في تجنيب أنفسهم أي مساءلة رسمية لأعمالهم الروتينيّة، فهناك حالة من الكسل والجمود في العمل العام نتيجة غياب الرقابة والتقييم والنظرة السلبية تجاه القطاع الخاص والعاملين فيه. الأيدي المرتجفة في الحكومة لا تعرف ولا تفهم جيداً قوانين الدولة وأنظمتها، وتفسيرها يكون وفق ما تشاء أمزجتهم باتجاه التعطيل للمعاملات وإنجاز المشاريع، فسرعان ما تجد هذا المسؤول والموظف يعمل بقدرة عالية لخلق المشاكل ووضع العقبات والعراقيل بدلاً من تسهيل المعاملات والإجراءات، فهو في النهاية غير مكترث للطرف الآخر طالما يحصل على راتبه كاملاً وزياداته السنوية بغض النظر عن إنجازه وفعاليته في الخدمة العامة. الأيدي المرتجفة في الدولة ليست محصورة على موظفي القطاع العام، بل تتجاوز ذلك بكثير، فعدد كبير من الوزراء العاملين يقاومون أي قرارات او أعمال في وزاراتهم تحتمل ولو درجة قليلة من المخاطرة، فسياسات التسكين وبقاء الوضع على ما هو عليه أفضل وأهم بكثير من تنفيذ قرار قد يعرضهم للمساءلة. وهذا الأمر أيضا مرتبط بطبيعة عمل المؤسسات الرقابية المختلفة، فهي أيضا لا ترحم المسؤول او الموظف العام الذي في نظرها هو دائما تحت الاتهام وفي دائرة الشبهات والفساد طالما انه يعمل او حتى يحاول ان يجتهد في عمله. فالحالة القائمة للعلاقة بين الموظف العام والمؤسسات الرقابية المختلفة ليست صحية او سليمة على الإطلاق، فالأصل ان تكون تلك المؤسسات درعا وقائيا للموظف العام من اتخاذ أي خطوات او اجراءات مخالفة للقوانين والتعليمات، لأنها بالأصل مؤسسات تقدم الحيطة والحذر للمسؤول وتسانده بالإرشاد والتوعية لا بالتصيد والاتهامات المسبقة. مشاكل المستثمرين في غالبيتها تعقيدات إدارية تنصب في أساس الموظف العام، إما لأنه غير متفهم لطبيعة عمله، او لأغراض مختلفة تجعله يعرقل أي حلول لأي مستثمر بغرض تعقيد الوضع عليه. تأخر المشاريع في التنفيذ بالسنوات الأخيرة سببه أيضا الأيدي المرتجفة التي كلفت الاقتصاد ضعف كلف تلك المشاريع لو أنها نفذت في وقتها الصحيح. الإصلاح المرجو لا يتحقق في ظل وجود أيد مرتجفة لمسؤولين غير قادرين على فهم متطلبات أعمالهم ووظائفهم الحقيقية، وفي ظل مؤسسات رقابية تتصيد بهم لأغراض شعبوية وإعلامية، والضحية في النهاية اقتصاد يترنح تحت وطأة إدارات رسمية فاشلة في اتخاذ القرارات ولا تمتلك أي رؤية اقتصاديّة تنمويّة مستقبلية.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان