الآثار المأساوية الاجتماعية لوصفات صندوق النقد الدولي: حالة المكسيك

د. عبد الحي زلوم

عمان- حققت الولايات المتحدة بوسائل الاموال المضاربة وصندوق النقد الدولي (أو ما يسميه البعض الاستعمار الجديد) ما عجزت عن تحقيقه باستعمال الوسائل الدبلوماسية او القوة الغاشمة أيام الاستعمار القديم.اضافة اعلان
وكانت الشركات النفطية الأميركية في المكسيك أممت في العام 1939 وأصبحت شركة النفط المكسيكية بيمكس PEMEX المالكة والقائمة على ادارة صناعة النفط والغاز منذ ذلك الحين.
 وبالمقابل، فقد فرضت حقيبة الانقاذ التي حاكت تفاصيلها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي العام 1995 شرطاً تلتزم المكسيك بموجبه برهن كافة الايرادات النفطية وايداعها كضمان لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك!
 قامت المكسيك بكل ما هو مطلوب منها لكي تبدو منسجمة مع مبادئ اقتصاد السوق الحرة.
 وقد أنيطت ادارة الاقتصاد في البلاد الى مواطنين مكسيكيين تلقوا تدريبهم على أيدي الصندوق والبنك الدوليين، وكان كل همهم ارضاء هؤلاء الذين نصبوهم في مواقعهم فحرروا الاقتصاد ووضعوا خطط خصخصة شاملة وضخمة وحرروا الاسواق المالية وألغوا الحواجز التجارية وقلصوا الدعم الحكومي الذي تقدمه الدولة للشعب، كما عمدوا الى تخفيف القيود والضوابط على التجارة والانشطة التجارية وانضموا الى اتفاقية النافتا NAFTA عام 1993 (الخاصة بالتجارة الحرة لدول اميركا الشمالية).
 وعندما قرر المضاربون العالميون سحب اموالهم من المكسيك في مطلع العام 1994 كان لدى المكسيك قدر معقول من الاحتياطيات الاجنبية، يبلغ 25 مليار دولار.
  ولكن الهجرة المستمرة لرؤوس الاموال المضاربة العائدة للممولين الدوليين استنـزفت الاحتياطيات آنفة الذكر، فيما خسرت العملة الوطنية المكسيكية حوالي 50 % من قيمتها في غضون اسابيع قليلة.
 ونتج عن ذلك ذوبان اقتصادي أكل الاخضر واليابس، واصبحت المكسيك على وشك التخلف عن دفع ديونها للممولين العالميين الذين كانوا اساسا سبباً في هذه المشكلة.
 واستعمل الرئيس كلينتون سلطاته التنفيذية بدلاً من أخذ موافقة السلطة التشريعية لانقاذ ارباب رؤوس الاموال الاميركيين، وليس من أجل خاطر عيون المكسيك.
 وكان تبرير كلينتون لتبني الخطة وتوقيع الامر التنفيذي هو "ان المخاطرة الكامنة في الامتناع عن اتخاذ الاجراء اضخم من تلك الكامنة في الاقدام على خطة الانقاذ".
 وقد تكونت حقيبة الانقاذ من 54 مليار دولار، منها 20 مليارا من الخزانة الأميركية و17.8 مليار من صندوق النقد الدولي.
ورأى بعض الاقتصاديين، ومنهم البروفيسور ليستر ثورو، عميد كلية الاقتصاد في جامعة MIT العريقة ان خيار التوقف عن الدفع كان أفضل للمكسيك من خيار حزمة الانقاذ.
ولكن ما هي الشروط التي رافقت حقيبة الانقاذ هذه؟
اولى تلك الشروط انه يجب على المكسيك ان تخضع سياساتها المتعلقة بالعرض النقدي، الانفاق المالي، الاقتراض الاجنبي في المستقبل والائتمان المحلي الى الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة والتي تم إملاؤها كجزء من خطة الانقاذ تلك.
وثانيها انه يجب على المكسيك ان تبيع افضل ما لديها من موجودات مثل الموانئ، السكك الحديدية، البتروكيماويات، الاتصالات …الخ، كما ينبغي على المكسيك ان تفتح الابواب لتملك الاجانب في بنوكها والتي لم يكن يسمح للاجانب بالتملك بها، كما على المكسيك ان تودع كافة ايراداتها النفطية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
اما النتائج التي تلت توقيع هذه الاتفاقية عام 1995 فتمثلت في زيادة ضريبة القيمة المضافة الى 15 %، آل الى الانهيار ثمانية من أصل اضخم ثمانية عشر مصرفاً رئيسياً في البلاد واصبحت الحاجة ماسة لانقاذ الباقي على يد الحكومة، وبلغ مجموع الشركات التي انهارت ما يزيد عن 8000 شركة، وتم دفع 10 % من اجمالي الناتج القومي للمكسيك كفوائد على الديون، وسجلت اسعار الوقود زيادة بنسبة 48.5 %، وزيدت اسعار الطاقة الكهربائية بنسبة 32 %، وأقدمت عائلة احد المزارعين الذي توفي عندما استولى البنك على ارضه جراء اخفاقه في تسديد القرض، على احضار جثته الى البنك احتجاجاً، قائلة انه يمكنهم اخذ جثته تسديداً للدين.
هل يا ترى يذكرنا ما سبق بشيء ما غير المكسيك!!!