الأخلاق في النظر إلى العدوان

الأربعاء الماضي، وفيما كانت دولة الاحتلال الصهيوني تواصل اعتداءاتها الدموية على قطاع غزة الصابر المحاصر، وتثخن قتلا بالأطفال والمدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، احتشد العشرات من الطلبة في كلية الحقوق بجامعة هارفرد الاميركية، للاستماع الى محاضرة سيلقيها القنصل الاسرائيلي في نيويورك داني دايان. محاضرة دايان كانت حول شرعية الاستيطان والمستوطنات على أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة، وكان يود أن يشرح للرأي العام الاميركي، خصوصا لهؤلاء الطلبة المتميزين الذين غالبا ما يذهب قسم كبير منهم للعمل في الإدارات الأميركية، كيف أن من حق إسرائيل أن تستوطن الأراضي العربية من دون أن يكون هناك أيّ عائق قانوني أو أخلاقي. المفاجأة جاءت حين وقف دايان خلف الميكرفون مستعدا لبدء محاضرته، إذ وقف جميع الطلبة الحضور وغادروا القاعة، وهم يرفعون لافتات أعدوها مسبقا للتنديد بالسياسات الاستيطانية الاستعمارية لدولة الاحتلال، وتركوا القنصل الإسرائيلي وحيدا أمام المقاعد الفارغة. في لندن، كان الناشطون يوجهون الرسالة نفسها إلى دولة الاحتلال، على وقع عدوانها الوحشي على غزة، فقد نشروا عشرات اللافتات والبوسترات في أماكن عامة، برسالة بسيطة، تقول: "إن إسرائيل تقتل الأطفال من جديد. استمتع بعطلة نهاية الأسبوع"، في رسالة واضحة لرفض العدوان ومبرراته. هذا ما يمكن تسميته "الالتزام الأخلاقي" تجاه القضايا الإنسانية، ولكن ما يدعو إلى العجب هو موقف بعض العرب من العدوان، خصوصا الرسالة التي بعث بها المطبع السعودي محمد سعود إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يدعم فيه العدوان، ويدعو لإسرائيل بالنصر. إذن، ماذا ندعو هذا النوع من "الالتزام" الذي عبّر عنه هذا المطبّع، والذي يصرّ على مخاطبة الاحتلال باللغة العبرية، ويستخدم تعبيرات متزلفة لا تليق به ولا ببلده. صحيح أن أكثر الردود عليه جاءت من مواطنيه، وهي ردود غاضبة ورافضة لهذا النوع من الخنوع والتنكر للهوية القومية التي تجمعنا كعرب في مواجهة أطول احتلال، وأكثره وحشية حتى اليوم. لكن الأمر الذي يتوجب التوقف عنده طويلا، لمعرفة المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية.. وأيضا الأخلاقية التي قادت هذا الشخص، ومن هم على شاكلته، إلى مثل هذه المواقف القصوية، والتعبير عن الانسلاخ بمثل هذه الحدة. في جامعة هارفرد، وفي لندن، وقف الأشخاص أمام ضمائرهم، وحكّموها في المذبحة التي يقودها الاحتلال في حق الغزيين، فاختاروا الوقوف إلى جانب الضحية، رغم ما تنثره إسرائيل ولوبياتها العديدة من مغريات كفيلة بأن تنقل أولئك الأشخاص إلى مستويات النخب. لكن، في حالة هذا المطبع، فيبدو أننا لا نتحدث عن أي نوع من الضمائر هنا، ولا حتى عن الذاكرة المتخمة بتواريخ المذابح التي نفذتها إسرائيل، ولا صور ابتلاع الأراضي وعدوانها على العديد من الدول العربية. إن أقرب ما يمكن أن نقارن به مثل هذه الحالة هو "عقدة الجلاد والضحية"، الضحية الذي يريد أن يصير جلادا، ولو على أشقائه. هي باختصار "ملازمة ستوكهولم"!!اضافة اعلان