الأخلاق والمُحافظ

ليس من اختصاص الموظف العام  وزيراً كان أم محافظاً أم متصرفاً أن يحكم أو يتحكم في أخلاق الناس، كما أن العادات والتقاليد ليست مجال اختصاصه، فاختصاص الموظف العام ومجال عمله هو تطبيق القانون، والقانون وحده، ووظيفة القانون في الفضاء العام هو حماية المجتمع من شخص يعتدي عليه بمخالفة تشريع نافذ، ولا يدخل ضمن هذه الوظيفة منع شخص من تصرف أو سلوك لأنه لا يتفق مع أخلاق الموظف العام أو قيمه وعاداته، وقد أسس هذا الفهم الدستور الأردني حيث نصت الفقرة الاولى من المادة السابعة منه حرفياً على:"الحرية الشخصية مصونة" .اضافة اعلان
نعم؛ منهج النص الدستوري أن الحرية الشخصية مقدسة مصونة لا تقيد إلا في الحدود الدنيا، ولتأكيد هذا المعنى ورد في الفقرة الثانية من ذات المادة الدستورية أن كل اعتداء على حرمة الحياة الخاصة هو جريمة يعاقب عليها القانون، انتبهوا جريمة يعاقب عليها القانون، وأكثر من ذلك فقد نص الدستور إن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها إلا وفق أحكام القانون، كما نص على أنه لا يجوز أن يحجز أو يوقف شخص إلا ضمن أحكام القانون، هذه نصوص دستورية لا يعطلها رأي نائب ولا حزب ولا محافظ، وهي تشكل أساس الدولة وعماد استقرار السلم الاجتماعي والعبث بها هو عبث بالأمن والمصالح العليا للدولة.
ومن المهم الإشارة إلى أنه وبحسب كثير من مختصي القانون الدستوري فإن قانون منع الجرائم هو قانون غير دستوري لأن فيه تغولا من السلطة التنفيذية على اختصاصات السلطة القضائية التي هي صاحبة الاختصاص في الحجز والتوقيف، وهو قانون جلب ويجلب كثيراً من الانتقاد للأردن في المحافل الدولية، حتى أن المركز الوطني لحقوق الإنسان دأب على المطالبة بإلغائه. والحقيقة أنه في ظل انتشار المحاكم في الأردن والشرطة والضابطة العدلية وتوفرها في كافة أنحاء المملكة لم يعد لهذا القانون حاجة ويستطيع القضاء والنيابة العامة التحرك السريع لوقف اي اعتداء على القانون.
ونذكر هنا السؤال الذي يحاول البعض الترهيب به، هل تقبل أن تخرج فتاة أو شاب بلباس فاضح أو سلوك فاضح ؟! والرد ليس المهم ان نقبل أو نرفض أو نحب او نكره، المهم هل هذا السلوك يشكل خرقاً للقانون؟، فإن كان كذلك فعلى النيابة صاحبة الاختصاص التحرك لتطبيق القانون.
لا يجوز أن تتحرك أجهزة الدولة على مزاج نائب أو وزير أو محافظ، واعلموا أن اليمين المتطرف المتنامي في العالم يملك نفس المنطق، فيحارب الفتاة المتحجبة المتمسكة بدينها بحجة أنها لا تتفق مع أخلاق المجتمع الغربي، فهل نفعل ما نعيبه من فعل الغرب "الكافر" ؟!
‌ويقع في هذا السياق منع فعاليات ثقافية بحجة تعديها على الدين أو أن الذين يتحدثون فيها ليسوا مختصين فيه ولا اعلم وجود جهة اعتماد لمن يجوز له الحديث في الأمور الدينية، وخاصة ان مفكري الحضارة الاسلام لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وبحثوا فيها، ولو أن "المحافظ" في القرن الهجري الثالث منع الإمامين من التدقيق  في الأحاديث النبوية لما وجد صحيح البخاري ومسلم.
لنتفق أن مجتمعنا قد تنوع وتوسع مكاناً وعدداً، وإن سلوك الناس فيه لم يعد - والحقيقة أنه لم يكن على مسطرة واحدة-، وأن واجب الدولة والحكومة يقتصر على ضمان أن يمارس كل مواطن من مختلف المشارب والأخلاق والمبادئ حريته شرط أن لا يخالف تشريعاً نافذا، وبعكس ذلك فإننا من حيث لا ندري  ندعو لتنمر فئة على فئة أخرى، الأمر الذي يعد دعوة للجريمة لا منعا لها.
 دين الدولة الإسلام، وهو أمر يعتز الأردنيون به عقيدة وثقافة وسلوكا، أما مرجع الأردنيين التشريعي فهو الدستور، الذي صان حرية الأردني، واوجب على الجميع الالتزام بتطبيق التشريعات، وعدم التعدي على الحريات العامة واحترام الحريات الشخصية. هذا هو الدستور الأردني الذي يجب أن نحرص على تطبيق مواده نصاً وروحاً، فاهم علي جنابك؟!.