الأردن.. إيقاع بطيء لتطبيق سياسات مواجهة التغير المناخي

منطقة تعرضت للجفاف شرق المملكة نتيجة التغيرات المناخية-(أرشيفية)
منطقة تعرضت للجفاف شرق المملكة نتيجة التغيرات المناخية-(أرشيفية)

شروق البو

عمان- يواجه الأردن تحدي ظاهرة التغير المناخي على نحو مضاعف مقارنة بغيره من الدول، لا سيما وأنه يعاني أصلا من عجز كبير في المياه، لم يستطع تعويضه بالشكل المطلوب.

اضافة اعلان

وبحسب خبراء في الشأن البيئي، لا تقتصر آثار التغير المناخي على قطاع المياه حسب، بل تمتد إلى غيره من القطاعات، أبرزها الزراعة التي تتأثر بشدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، إلى جانب النقص في المياه لمختلف الاستخدامات.

وأكدوا في حديثهم لـ"الغد"، ضرورة تعزيز الإجراءات الحكومية وتسريعها في مواجهة التغير المناخي، والاستعداد المسبق له؛ تجنبا للدخول في واقع مرير، على الصعيدين المائي والغذائي.


تحدٍّ كبير بالأمن المائي والغذائي

مدير مديرية التغير المناخي في وزارة البيئة المهندس بلال الشقارين قال إن "الأردن دولة تعاني من نقص المياه الحاد، وهي غير قادرة على تعويض هذا النقص في الوقت الحالي، كما أن التغير المناخي سيزيد الأمر سوءا، إذ يتوقع بأن يؤدي إلى زيادة نقص مياه الأمطار بنسبة 15 % خلال السنوات المقبلة، ما يتسبب بجفاف التربة".

وأضاف الشقارين، أن ارتفاع درجة الحرارة يتسبب بالتصحر ويؤدي إلى فقدان المياه في التربة، وزيادة حاجة المزروعات للري.

من جانبه، أوضح مدير مرصد طيور العقبة في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المهندس فراس رحاحلة، أن أبرز ظواهر التغير المناخي في العالم، هو ارتفاع درجات الحرارة عن حدودها الطبيعية، وهذا بلا شك يؤثر على عوامل الطقس المختلفة، فتصبح أيام الصيف أكثر حرارة والشتاء أكثر برودة، كما تقل معدلات الأمطار في مواسم الشتاء، ومن ناحية أخرى، تزداد حدة الهطل خلال أوقات قصيرة، فتتشكل فيضانات قد تكون ذات أثر كارثي.

وأكد رحاحلة لـ"الغد"، أن الأردن كجزء من كوكب الأرض، معرض للكثير من هذه الظواهر، ولكن شح الموارد المائية فيه، وتعرضها لارتفاع درجات الحرارة والجفاف، يجعل الحرارة، هي الظاهرة الأكثر تأثيرا علينا، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى تحدٍّ كبير في الأمنين المائي والغذائي.

وفي السياق ذاته، قال الخبير البيئي باتر وردم، إن معظم الدراسات التي أجريت خلال السنوات الماضية والمشاهدات الملحوظة مؤخرا، تشير إلى وجود اختلاف في أنماط المناخ بالأردن؛ بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع المعدل العام للهطل المطري.

وبشأن خطورة مظاهر التغير المناخي على البيئة، أوضح وردم، أن ذلك سيقلل الإنتاجية؛ نظرا لنقص كميات المياه المتاحة للشرب والصناعة، وحدوث حالات جفاف معينة في فصل الصيف تؤثر على الزراعة.

وأشار إلى أن السقوط المطري، أصبح في كثير من الأحيان كثيفا وسريعا، ما يتسبب بتشكل السيول وحدوث فيضانات، خصوصا في مناطق شمال المملكة وجنوبها وشرقها.

تقدم بطيء بملف التغير المناخي

بين وردم أن سياسات مواجهة التغير المناخي موجودة في الأردن، لكن "تطبيقها بطيء؛ لأن هناك 3 جوانب أساسية، يجب أن تتوافر في هذا الشأن، أولها وجود إرادة تجعل من مواجهة التغير المناخي أولوية لدى الجهات المسؤولة، وأن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات، خصوصا العامة، بحيث يكون عملها موحدا في هذا المجال".

وأضاف الخبير البيئي الى تلك الأساسيات التي يجب توافرها، التمويل، أكان عبر مصادر محلية أو دولية، بالإضافة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المحلي.

وأشار وردم إلى أن وزارة البيئة، تقود مشروع تشجير يهدف إلى زراعة 10 ملايين شجرة في الأراضي الزراعية، لكن التقدم في ملف التغير المناخي، سيبقى بطيئا ما لم تكن هناك إرادة جادة لدعمه واعتباره أولوية عامة، والسعي لتقليل آثار التغير المناخي على الأردن.

من جهته، شدد رحاحلة على ضرورة أن يقوم الأردن باستعداد جوهري لتحديات التغير المناخي والتحضير المسبق لها، عبر ممارسات ذات أثر إيجابي علينا في المستقبل، وحتى لا نخوض في واقع مرير، أكان في القطاع المائي أو الغذائي.

وقال إن "الحكومة تقوم بجهد معقول في تطبيق معايير التخفيف من تراكيز الكربون، وتُوضحه على نحو بارز في تقريرها الدوري للمساهمات المحددة الوطنية، كما أنها تستثمر هذه التحديات وإبرازها للعالم إيجابيا، عبر تقرير البلاغات الوطني، وفي هذا التقرير، تشير الحكومة الى أبرز الصعوبات على المستوى الوطني، للسعي خلاله إلى جلب التمويل لتنفيذ الحلول لهذه التحديات".

وبين رحاحلة، أن المطلوب من الجهات الرسمية، العمل ضمن خطة واضحة، والسعي إلى تركيز الجهود لتقديم حلول ملموسة بشكل أكبر، والاستفادة من فرص التمويل المرتبطة بالمناخ، لتحقيق تنمية في القطاعات المختلفة، علما بأن الطاقة هي أكبر تحدٍّ من بين هذه القطاعات.

وأضاف "إذا قمنا بالاستثمار في الطاقة البديلة والنظيفة، والتي يمكن الحصول عن طريقها على تمويلات كبيرة في هذا القطاع، فمن الممكن أن تكون بادرة وخطوة أولية للنهوض بالقطاعات المختلفة، وتخفيف كلفها التشغيلية".

وعلى مستوى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، أكد رحاحلة أنها تسهم بمواجهة التغير المناخي عبر عاملين رئيسيين؛ الأول، هو استدامة النظم البيئية ومنع تدهورها، وذلك عبر خطط استراتيجية وعملية، تُطبق على نحو فاعل في المحميات الطبيعية التي تعتبر محور عمل وتخصص الجمعية.

وبين أن العامل الثاني، هو مساهمة الجمعية في رفع الوعي البيئي بالمجتمع، وتحفيز الجيل الناشئ على الدوام، ليكون أكثر اهتماما بالبيئة، عن طريق تنفيذ البرامج التوعوية والتعليمية المتنوعة بالمواقع المختلفة في أنحاء المملكة.

وأشار رحاحلة، إلى أنه وعلى هامش كل واحد من هذه العوامل، تسعى الجمعية إلى تطبيق أفضل الممارسات العالمية، والتي تضمن المساهمة بتخفيف تراكيز الكربون، بالإضافة إلى التكيف مع الظواهر والآثار الناتجة عن التغير المناخي، لتقليل حدة هذا التحدي وإشكاليته في المستقبل القريب أو البعيد.

إجراءات معقدة

وأكد ردم، أن أي جهة أو منظمة متخصصة في التعامل مع التغير المناخي، يكون دورها إيجابي، لكنه مقيد بمحدودية التمويل، لافتا إلى أن هناك عددا كبيرا من المنظمات البيئية في الأردن، والتي ينبغي أن تندمج معا داخل تحالفات، ليكون عددها أقل وكفاءتها أعلى.

وشدد على ضرورة أن يكون هناك نوع من التسهيل لعمل هذه المنظمات، إذ إن أي مشروع بيئي يتصل بجهة دولية، يتطلب موافقة الحكومة، لكن ذلك يتم بعد إجراءات طويلة، وفي كثير من الأحيان، تنتهي فترة التمويل المتاحة للمشروع قبل صدور الموافقة الحكومية.

خطة حكومية للتكيف مع التغير المناخي

وقال الشقارين، إن الأردن أعد تقارير وطنية للوضع القائم بشأن التغير المناخي والتوقعات المقبلة، وأحدثها تقرير البلاغات الوطنية الثالث لعام 2014.

وأضاف "استنادا على التقرير الأخير، باشرت وزارة البيئة بعمل الخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي في الأردن لعام 2021، والتي اشتملت على مقاييس وبرامج يجب تنفيذها في القطاعات ذات العلاقة".

وبحسب الخطة، فإن برامج وتدابير التكيف القطاعية، تضم: إدارة موارد المياه، الزراعة والأمن الغذائي، التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، قطاع الصحة، قدرة القطاع الحضري على تحمل تغير المناخ والحد من خطر الكوارث فيه، إدارة المناطق الساحلية، قدرة القطاع الاجتماعي الاقتصادي على تحمل تغير المناخ، بالإضافة إلى تدابير التكيف مع تغير المناخ المرافقة لمنافع إجراءات التخفيف المرتبطة به.

وحول قطاع المياه، أوضح الشقارين أن الخطة اشتملت على حلول لنقص المياه، ودراسات تشير إلى الأماكن المتوقع حدوث فيضانات فيها ووقت حدوثها وكيفيته، وذلك حتى العام 2100، وفق خرائط مبنية على التوقعات المناخية المستقبلية.

وأضاف إن قطاع الزراعة يتأثر بالتغير المناخي، فنقص المياه والفيضانات يؤثران على الزراعة والمحاصيل المزروعة ويتسببان بانجراف التربة، فيما اشتملت الخطة الوطنية على حلول لمواجهة هذه التحديات.

وأكد الشقارين، أن هذه الخطة قيد التنفيذ بالتعاون مع القطاعات الأخرى ذات الصلة، مشيرا إلى أن الوزارة أطلقت مبادرة لزراعة 10 ملايين شجرة في الأماكن الصالحة للزراعة، وذلك ضمن خطة الزراعات الذكية المناخية، بالتعاون مع وزارة الزراعة ومؤسسات حكومية وشبه حكومية وجمعيات بيئية ومنظمات مجتمع مدني.

يُذكر أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تُعرف الزراعة الذكية مناخيًّا، بأنها نهج لإعداد الإجراءات اللازمة لتحويل النظم الزراعية إلى دعم الأمن الغذائي في ظلّ تغيرات المناخ، ساعيةً إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي زيادة الإنتاجية على نحو مستدام، والتكيُّف مع تغيُّر المناخ والصمود في وجهه، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تنتجها ممارسات الزراعة.

التغير المناخي والاحتباس الحراري

وأضاف الشقارين، أن الأردن أطلق في العام 2016، وثيقة المساهمات المحددة وطنيا للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، المسببة للاحتباس الحراري بنسبة تخفيف 14 % في العام 2030، فيما جرى تحديث الوثيقة العام الماضي، بحيث ستصبح النسبة 31 % في العام 2031، وذلك ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

وبحسب الوثيقة، يرافق الأهداف التخفيفية هذه، مجموعة متنوعة من إجراءات التخفيف من غازات الدفيئة في جميع القطاعات المعنية بخفض الانبعاثات، بالإضافة إلى إجراءات التكيف في القطاعات المعنية.

وبين الشقارين، أن مشاريع التخفيف تشمل الطاقة والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة والنقل والتحول إلى النقل الكهربائي وإدارة النفايات.

وأشار إلى أن الحكومة تعمل على دمج التغير المناخي بخطط التطوير في كل القطاعات، إذ إن رئاسة الوزراء، تعمم وثيقة المساهمات على جميع الوزارات لتعمل على دمجها بخططها القطاعية، بحيث يتم تحديث استراتيجية المياه للسنوات المقبلة، وكذلك الأمر بالنسبة للزراعة والطاقة والنقل.

تحديث السياسة الوطنية للتغير المناخي

ولفت الشقارين إلى أن وزارة البيئة، تعمل على إعداد تقرير البلاغات الوطنية الرابع، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، وهو عبارة عن دراسة لوضع التغير المناخي في البلاد والتوقعات المستقبلية المبنية على نماذج رياضية معتمدة دوليا من الهيئة الحكومية الدولية للتغير المناخي، ويتوقع صدوره ونشره خلال شهر حزيران (يونيو) أو تموز (يوليو) المقبل.

وأشار إلى أن الوزارة عملت على تحديث السياسة الوطنية للتغير المناخي، وذلك للأعوام 2022 الى 2050، وهي في مراحلها النهائية، وسيجري العمل بها بعد موافقة رئاسة الوزراء.

خطة حصاد مائي

وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة لورانس المجالي، إن الأردن انتقل إلى مرحلة التكيف مع التغيرات المناخية، وأخذ بالاعتبار آثارها على القطاعات المختلفة.

وبين المجالي لـ"الغد"، أن الوزارة أعدت خطط استجابة للتغيرات المناخية، ضمن الخطة الوطنية للزراعة المستدامة، والتي تشمل في أحد محاورها الحصاد المائي.

وأضاف، بدأت الوزارة في العام الحالي، بإطلاق 10 آلاف بئر تجميعي للمياه ضمن السلسلة الغربية، و60 سدا وحفيرة ضمن السلسلة الشرقية؛ لضمان حصاد كل قطرة مياه في الأعوام المقبلة.

وأشار المجالي إلى أن مشاريع الحصاد المائي، فيها استدامة، وعلى مدار الأعوام الأربعة المقبلة، وذلك ضمن آبار التجميع والسدود الترابية.

توسيع الرقعة الخضراء

وأوضح المجالي، أنه وفي المحور ذاته، تسعى الوزارة إلى التوسع بالتحريج وتوسيع الرقعة الخضراء، عن طريق خطة التحريج الوطني وتشجير الخط الصحراوي.

وأشار إلى أن الوزارة عملت على رفع كفاءة مشاتلها إلى 5 ملايين شجرة، واختيار أصناف مقاومة ومتكيفة مع التغيرات المناخية.

ولفت المجالي إلى البدء بزراعة الأشجار على الخط الصحراوي ومداخل المحافظات، ضمن غابات وخطوط شجرية صناعية، تجري استدامة العمل فيها بالاستفادة من المياه المعالجة في المدن ومحطات التنقية الخاصة بالشركات الكبرى؛ مثل شركة البوتاس والفوسفات والإسمنت.

وبين أن الزراعة على طول الخط الصحراوي وبالكيفية المذكورة، تدعم الاستثمار الأمثل للمياه في توسيع الرقعة الزراعية ضمن المناطق الصحراوية.

وأضاف المجالي، إن الوزارة تعمل ضمن خطة برنامج توسع في تقنيات توفير المياه والإنتاج، واستخدامات زراعات مائية؛ مثل أكوابونيك وهيدروبونيك.

وأشار إلى أن إطلاق المنتدى الدولي للأرض في الأردن الاثنين، بتنظيم من وزارة الزراعة، والذي يضم 800 مشارك من 150 دولة، لمناقشة التغير المناخي، فيما تعول الوزارة على المنتدى وتوصياته بشأن هذه الظاهرة، والتي ستناقش في قمة المناخ كوب 27 التي تستضيفها القاهرة هذا العام، وعليه يتم تحديث آليات التعامل مع التغير المناخي.

تدهور محاصيل زراعية

وحذرت خطة عمل الزراعة المناخية الذكية في الأردن التي أعدها البنك الدولي، بالشراكة مع منظمات ومؤسسات دولية، من أنه وبفعل التغير المناخي "ستشهد ملاءمة العديد من المحاصيل تدهوراً مثل: البطاطا، أو ستصبح هامشية كالشعير والقمح، وستبقى ملاءمة الزيتون مستقرة، وتزداد بالنسبة للبندورة وأشجار النخيل".

وبحسب الخطة، ستزداد آثار التغير المناخي سوءاً بعد العام 2030، فـ"على سبيل المثال من المتوقع أن ينخفض محصول الشعير بمقدار 25 % إلى 50 % بحلول العام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتناقص التساقط المطري".

ويعد الأردن بلدا شحيح الموارد المائية، بحيث يتجاوز حجم العجز المائي فيه 500 مليون م3 سنويا، علما بأن حصة الفرد من المياه في الأردن تبلغ نحو 100 م3 للفرد/ سنة، للاستعمالات جميعها، وهذه الكمية تقل بنسبة 20% عن مستوى الفقر المائي العالمي المحدد بـ500 م3/ فرد.

وتمكنت المفاوضات الأردنية من الحصول على تمويل لمواجهة التغير المناخي، من خلال صندوق المناخ العالمي ومنظمة الفاو، بلغ 26 مليون دولار أميركي، للتركيز على رفع كفاءة المياه في الزراعة والحصاد المائي.

ويمر التمويل الخارجي لخطط مواجهة التغير المناخي من الدول الصناعية الكبرى بعدة عراقيل؛ أبرزها بطء الحصول عليه، فيما يعتبر الأردن من أقل الدول المتسببة بظاهرة التغير المناخي؛ نظرا لقلة النشاطات الصناعية التي ينفذها وتسهم في تفاقم الظاهرة.

إقرأ المزيد :