الأردن في السبعين

يشيخ البشر كلما تقدم بهم العمر. أما الدول، فتزداد قوة ونشاطا. لكن في أحيان كثيرة يحصل للدول أسوأ ما يواجه البشر من قدر محتوم؛ تنهار وهي في مقتبل العمر، وتلقى مصيرها قبل أن تنال حظها في الوجود.اضافة اعلان
العقد الأول من هذا القرن شهد اختفاء دول عن الخريطة وولادة كيانات جديدة. وها هو العقد الثاني منه يشهد مخاضا عسيرا ميدانه المنطقة العربية، ولا نعلم بعد مصير العديد من دوله، ولا هوية المواليد الجدد.
رسمت مشارط القوى الاستعمارية خرائط دول المنطقة قبل سبعين عاما ونيف. الغلبة اليوم لمشارط الطائفيين والتكفيريين والمستبدين؛ فهي ترسم الحدود بدماء الشعوب.
دول المنطقة دخلت غرف العمليات؛ الأميركية والروسية والإيرانية، ولا نعلم حالها بعد الخروج.
حالت حكمة الأردنيين؛ شعبا وقيادة، دون دخولنا غرف العمليات، أو تسليم مقادير البلاد لقوى عابثة ومتطرفة. وقفنا على الحافة، مثلما حصل لنا عديد المرات في التاريخ، لكننا لم ننزلق.
في الترشيحات الإقليمية والدولية، وضعوا الأردن على رأس القائمة؛ العاصفة قادمة لا محالة، والمملكة في مهب الريح. كان هذا هو التحليل السائد قبل سنوات. لكن انعطافة ذكية في اللحظة الحاسمة، أخذتنا في طريق أخرى؛ ممهدة ومستقرة.
لم نبلغ محطة الأمان بعد، فدونها تحديات جسام؛ في ميادين الاقتصاد والسياسة، وإدارة شؤون الدولة والمجتمع. لكننا، وبكل تأكيد، عبرنا المنطقة الخطرة، منذ ثلاث سنوات.
لسنا على الطاولة اليوم، ولن نكون. لا ننتظر القوى الدولية المجتمعة في جنيف لتكتب لنا دستورا جديدا؛ قمنا بواجبنا؛ أقل أو أكثر من اللازم، المهم أن المهمة أنجزت بأيد أردنية لا أجنبية.
نختلف ونتفق على قانون الانتخاب، هذا مشروع. لكن في المحصلة لا ننتظر موفدا أمميا أو وسيطا أوروبيا ليفصل لنا القوانين.
تجربة الحكومة البرلمانية لم تحقق غاياتها. البرلمان مخيب للآمال؛ صحيح. لكن كان ذلك من صناعتنا، وليس مفروضا من مؤتمر عقد في روما أو باريس. ويمكننا إصلاح ما صنعنا، وتطويره لمواكبة احتياجاتنا.
ربحنا جولات مع الفساد، وخسرنا أيضا. وهذه حال الدول الحية. الديون تغمرنا، لكننا وقبل ربع قرن كنا مفلسين، ثم نهضنا من جديد.
لسنا بأفضل وضع؛ اقتصادنا يئن تحت ضغط الحاجة للاستثمارات والوظائف والأسواق المغلقة في وجوهنا. نرقب فتح معبر طريبيل مثل طفل يترقب يوم العيد.
كان توصيف رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري لحال الأردن في هذه الظروف دقيقا: "يعبر بين حبات المطر، كي لا يتبلل".
لكن على بلاغة الوصف ودقته، فقد طالنا الكثير؛ موجات من اللاجئين، وزخات من المطر الأسود، وساعات حاسمة، كان الإرهابيون على بعد ساعة من أطفالنا.
هذا أسوأ عقد في تاريخ الدولة منذ ولادتها، والقادم من السنوات صعبة ومخيفة. الظروف الاقتصادية خانقة، والأوضاع العربية مرعبة. لكننا ما نزال واقفين، ونملك الإرادة والشجاعة للاحتفال بالأردن وقد دخل السبعين.