الأردن في مئويته

مكرم أحمد الطراونة التاريخ صناعة، وليس محض مسيرة وشاهد وشهود. والأردنيون الأحرار كتبوا تاريخهم بمداد من الفخر والعز، والدم. الأردن الدولة بدأ روحا فرؤية ففكرة فهدف، تحقق بالنضال والاستشهاد والدماء والتضحيات، التي لم يكن آخرها الملك عبدالله الأول على عتبات المسجد الأقصى. إن محاولة استعادة المئوية الأولى بإنجازاتها وما حققناه خلالها، ليس تقليبا في صفحات الماضي، أو تصنيفا تاريخيا بين المئويات، بقدر ما هو قراءة للمستقبل المتجدد، وعبور مطمئن إلى المئوية الثانية، متكئين على تجربة ثرية وإرث سياسي عميق يسرج مسيرتنا بعزم وهمة الرجال. إذ أنه ومنذ أن حطت ركاب خيل الأمير عبدالله الأول في معان في نهاية العام 1920، حتى بدأ في الإعداد لدولة راسخة انتزعها من وعد بلفور المشؤوم، حيث ارتحل إلى عمان بعد اثني عشر يوما للشروع في الدولة العتيدة، وشكل أول حكومة في تاريخ البلاد سميت مجلس المشاورين برئاسة القومي السوري الدرزي رشيد طليع، الذي أطلق عليه لقب "الكاتب الإداري"، وتألفت من أربعة سوريين وحجازيين وأردني وفلسطيني، ومن ثم اطلق عليها اسم حكومة الشرق العربي. وبعد أقل من عامين، شرع الأمير في تأسيس الجيش العربي المصطفوي، الذي مثل أحد أبرز معالم السيادة، التي اكتملت بتعريب الجيش بعد 33 عاما (1956)، وهو الجيش الذي دافع أبطاله وشهداؤه حتى الاستماتة عن القدس من العصابات الصهيونية، وجسد الملاحم في باب الواد واللطرون العام 1948. المسيرة استمرت، ففي العام 1928 جلس الأردن كطرف مفاوض مع البريطانيين، حيث تم توقيع المعاهدة الأولى، وصدر بعدها الدستور، الذي اشتمل على 72 مادة وأسس لدولة حديثة، عمادها الحوار والديمقراطية، حيث مهد ذلك لانعقاد المؤتمر الوطني العام في عمان، الذي أقر الميثاق الوطني الأول، ولاحقا عقد أول مجلس تشريعي في تاريخ الدولة الأردنية مؤلفا من 16 عضوا. وسرعان ما كانت الدولة الفتية سابعة سبعة أسست جامعة الدول العربية في القاهرة العام 1945، ومن ثم انتزع الأردن استقلاله عن بريطانيا في العام 1946. ربما ما ذكر عبارة عن سرد تاريخي لبعض من ملامح مسيرة هذا الوطن، لكنه يبنى عليه، فالأردن في مئويته دولة راسخة قوية، تبحر بثقة في محيط إقليمي عاصف، ومضطرم يمور بالأمواج العاتية، في وقت تتفسخ عرى دول مجاورة وإقليمية، وترزح تحت حروب أهلية، أهلكت الحرث والنسل. ولأن هذه الدولة راسخة، فإن الدخول في المئوية الثانية يحتم عليها أن تنظر إلى الأمام واضعة صوب عينيها النهوض والتقدم، فالتحديات التي نجح الأردن في تجاوزها على مر العقود الماضية لن تتوقف، بل قد تكون في قادم الايام أكثر قسوة وإيلاما، وهذا يتطلب مقاومة من نوع خاص عنوانها الإرادة الحقيقية لكل مفاصل الدولة. الأردنيون يحتفلون اليوم بدولتهم، رغم جراحهم التي تنزف دما، نتيجة أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، لكنهم يحملون على أعناقهم لواء الصبر أملا بغد قد يحدث فرقا، وقد يذهب بهم إلى مرحلة جديدة من عمر دولتهم، وهي مرحلة لا بد وأن تكون أكثر نضجا ونفعا. المنجز من عمر هذه الدولة قد تحقق، لكن الجميع يحتاج من المستقبل إنجاز المزيد.اضافة اعلان