الأردن لا يستحق منّا هذا!

الانتخابات البلدية وتداعياتها التي أشغلت الرأي العام واحتلت مساحات على الفضائيات تدفعنا الى التعامل معها بطريقة وجدانية اكثر من الاستغراق في تفصيلاتها السياسية والقانونية التي يعلمها الجميع من خلال وسائل الاعلام المختلفة. ولعلني لست الوحيد من بين الزملاء الذين آثروا الابتعاد عن هذه القضية أمس، فلم يكن ابتعادا لأغراض سياسية، وانما استجابة لموقف نفسي وشعور بأننا نعيش حالة مفعمة "لما لا يجب"، واننا ندخل جميعا معارك وممارسات لا تليق.

اضافة اعلان

الاردن يستحق منا جميعا افضل واكثر بكثير مما نفعل. وانا كمواطن اشعر بأننا جميعا نقدم بلادنا للعالم بصورة لا تليق، ونشكل الاردن وشعبه بصورة ظالمة، ولهذا تصغر في العيون والعقول كل انتخابات، وتتضاءل البلديات امام ما نخسره. وايا من كان فائزا وتحت اي عنوان سياسي او اجتماعي ترشح فإنه سيغرق بعد ايام بعجز الموازنة ونظافة الشوارع و(تزفيتها). لكننا جميعا نقدم ثمنا باهظا من صورة الاردن وشعبه على مذبح الممارسات الخاطئة سواء كانت سياسية او اجتماعية او انتخابية.

من يتجاوز القانون تحت اي مبرر يسيء للاردن، ومن يشتم الاردن وتحت وقع الغضب، او يتهم الدولة وليس الحكومة بالهشاشة، وانها على وشك السقوط يسيء لنفسه وللاردن، ومن يبرر لنفسه اطلاق النار على اي شخص منافس له في انتخابات، او يكسر سيارات في الشوارع او يلحق ضررا بممتلكات الناس وأمنهم يسيء للاردن، ولهذا نجد ان التقويم للأشياء والأحداث إن كان بمقياس الصراع السياسي او التنافس الشخصي والاجتماعي او العشائري يكون محدودا، لكن عندما نقوّم الأمور بمقياس مصلحة الدولة فإننا جميعا نكون قد ساهمنا بإلحاق الضرر بصورة الوطن.

الأردن أهم من اي حكومة وأهم من أي حزب وعشيرة ومن كل الانتخابات. وحين نتعامل مع الامور بمقاييسنا الخاصة نمارس الأخطاء بحق بلادنا، لهذا يؤذينا أن تكون صورة انتخابات البلديات في عيون محطات عربية ودولية، ومن خلال انطباعات تدخل عقول المتابعين حتى في اوروبا واميركا من الاردنيين والعرب وغيرهم، أن تكون هذه الصورة سلبية، تتلخص بمرشحٍ يطلق النار على أنصار آخر، واتهامات بالتزوير، واتهامات بحق الدولة وأوصاف لا يليق أن تخرج من أي أردني بحق وطنه، وهنا لا أتحدث عن نقد الحكومة، فهذا أمر مشروع ما دام موضوعياً او تجاوزات على القانون هنا او هناك.

الأردن يستحق منا افضل بكثير مما نفعل، ومع إيماننا الكامل بالديمقراطية وحق الأردنيين في اختيار ممثليهم الا ان ما دفعناه من ثمن في هذه الانتخابات يجعل بعضنا يشعر بالإحباط والغضب من كل ما يجري، ولعل ما تتركه هذه الاجواء تجعل بعضنا كإعلاميين، ونحن نتكلم كثيرا في هذه المواسم، نشعر ان ما نقوله حول الديمقراطية والانتخابات هو حديث خارج ما يجب أن يتم التركيز عليه؛ فما يجب ان يقال هو دعوة للجميع ان يضعوا صورة الاردن ومصلحته فوق كل المصالح والحسابات.

نعم في هذه الانتخابات لم ينجح احد من اطراف القضية السياسية والاجتماعية، من اكبر الممارسات وحتى تمزيق يافطة منافس في ظلام الليل، ولا شجاعة او جرأة من اي طرف عندما يكون المتضرر هو الاردن الدولة.

على الحكومة وعلى احزابنا وعلينا جميعا ان نُقوّم اداءنا في مثل هذه المواسم، وعلى الحكومة ان تدرك ان ادارتها لهذه الانتخابات محل تقويم سواء كانت ادارة فنية واجرائية او سياسية، ومقياس نجاح الحكومة هو التزامها بالقانون، ومقياس نجاح الاخرين ايضا محل تقويم، وبخاصة حين نكتشف ان البعض لا يفرق في حديثه بين الوطن والحكومات فيوجه لوطنه الاساءة بغض النظر عن شكل الاساءة.

أخيرا، ومع قناعتي بقانونية مشاركة الجيش في الانتخابات البلدية، وحق الجندي في انتخاب مجلس بلديته، الا انني كأردني أتمنى أن نبتعد بهذه القيمة الوطنية الشامخة عن ساحات التنازع السياسي. فالجيش ورجال الامن هم جذر الدولة ولهم من التقدير بقدر ما للوطن، ولهذا فحتى لو كان حرمانهم من الانتخابات البلدية ثمنا ندفعه لتبقى هذه المؤسسة بعيدة عن اجواء السياسة السلبية فهذا مكسب كبير، فلا نحب ان نسمع كل ما قيل عن المؤسسة العسكرية سواء كانت ادعاءات ام حقائق، فالجيش والأمن لهما من الرمزية والمكانة ما يجعلنا نطالب بأن نبتعد بهما عن هذه القضايا، حتى وان حرمنا اهلنا واخواننا العسكريين من حقهم في الانتخابات البلدية.

[email protected]