الأردن والإعمار العربي

من المتوقع أن يشهد عدد من الدول العربية التي عانت من حروب وعدم استقرار في السنوات الأخيرة انطلاق مشاريع إعمار ضخمة اعتبارا من عامي 2019 - 2020، وقد تستمر هذه المشاريع من خمس الى عشر سنوات، على رأس هذه القائمة مشروع إعادة إعمار العراق الذي طال الحديث عنه في السنوات الأخيرة، ثم مشاريع إعادة إعمار سورية حيث من المتوقع أن تحسم آخر معاركها في الشمال والانتهاء من بقية بؤر الارهاب وفي الأفق احتمالات واسعة أن تشهد سنوات لاحقة مشاريع إعمار في ليبيا ومن ثم في اليمن. اضافة اعلان
في الوقت الذي قد تكون أمام الفاعليات الاقتصادية الأردنية فرص حقيقية للمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار في هذه الدول الأربع وعلى مدى سنوات العقد القادم، هناك احتمال وارد أن يحرم الأردن من معظم هذه الفرص، أو أن تتاح له بعض الفرص المحدودة في بعض البلدان، وهناك احتمال آخر أن تأتي بعض الفرص ولا تجد من هو مستعد لها. السفيرة العراقية في عمان السيدة صفية السهيل وعدت قبل أيام أن الأردن سيكون له فرصة كبيرة في جهود ومشاريع الإعمار ودعت الفاعليات الاقتصادية الى دراسة الاولويات العراقية حيث يملك كل مجلس محافظة في العراق الصلاحيات بإحالة عطاءات تصل الى 250 مليون دولار اميركي دون العودة إلى الحكومة المركزية.
السفيرة العراقية في عمان سيدة على درجة كبيرة من الوعي لمصالح الشعبين وتتطلع بشكل حقيقي وصادق إلى اليوم الذي تعود فيه العلاقات الأردنية العراقية إلى عافيتها، ولكن في بغداد وفي المحافظات العراقية أولويات ونخب أخرى، وعلى عمان أن تعيد ترتيب أوراقها جيدا وتعرف كيف تخاطب النخب السياسية العراقية، وعلى قطاع الأعمال والفاعليات الاقتصادية أن تبدأ دبلوماسية اقتصادية وبناء ائتلافات محلية واقليمية، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن بعض المشاريع التي قد تكون متاحة لن تجد شركات بحجمها قادرة على تنفيذها.
مؤتمر إعمار العراق الذي استضافته الكويت سابقا وبمشاركة 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية و 51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية استطاع ان يوفر 30 مليار دولار وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب. الى جانب استعداد الحكومة العراقية الى ضخ مئات المليارات لجهود الاعمار.
في سورية، تعد خطوة فتح المعبر الحدودي أمام حركة التجارة والأفراد بداية جادة على استعادة النشاط الاقتصادي الذي يعكس مصالح اقتصادية حقيقية للبلدين، الأمر الذي يتيح المجال امام الفاعليات الأردنية أن تكون حاضرة في مشهد إعادة الإعمار والذي قد يكون بوتيرة أسرع من دول أخرى.
والجميع يعرف أن الأردن يمكنه أن يوفر خدمات مهمة في هذه العملية أبرزها خدمات لوجستية في النقل والتوريد وخبرات في مجالات الصحة والاسكان والتعليم والمطارات والصرف الصحي والبنى التحتية، علاوة على المليارات التي التزم بها المجتمع الدولي فمن المتوقع أن تضخ حكومات المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة مبالغ كبيرة ما يجعل المنطقة مؤهلة أن تشهد أكبر عملية إعمار في العالم بعد عمليات إعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الانفراج الاستراتيجي على الحدود الشرقية والشمالية يفرض على الأردن اليوم تحديات ويتيح المزيد من الفرص والمصالح فأمام الدولة الأردنية فرصة للبدء بتدشين رأس جسر عربي نحو بغداد ودمشق لن يكون ذلك لمصلحة الدولة العراقية والدولة السورية وحسب – وهما بأمس الحاجة لذلك-، بل ولمصلحة دول المشرق العربي ودول الخليج وبالتالي لمصلحة الأردن، أننا معنيون بالحفاظ على صورة الأردن بدون تشويه في أوساط العراقيين والسوريين، من جماهير ونخب ومثقفين وقادة رأي وعشائر، فالرهان الأردني يجب أن يتوجه نحو مستقبل العراق وسورية، وليس نحو حاضرهما فقط.