الأردن والبرامج الإصلاحية: تاريخ حافل

استطاع الأردن أن يفي بالتزاماته وفقا للبرامج الإصلاحية التي نفذها مع صندوق النقد الدولي رغم الأمواج المتلاطمة في الإقليم، إذ إن المملكة انتهجت برامج إصلاحية بالتعاون مع "الصندوق" رغم الظروف الصعبة على مستوى الاقتصاد الكلي منذ العام 1989، واستطاع أن يتعامل معها وفقا لظروفه بالمشاركة مع "الصندوق" والبنك الدولي. وقد نفذ الأردن مع "الصندوق" أربعة برامج إصلاحية منذ العام 1989 إلى العام 2004، وقد تنوعت في تصميمها، فمنها "برنامج الاستعداد الائتماني وبرنامج تسهيل الممتد وتجديده مرة أخرى في 1999-2002، ومن ثم برنامج الاستعداد الائتماني (2002-2004)، وصولا إلى التخرج بنجاح من تلك البرامج وتجاوزه الظروف الإقليمية الصعبة التي مر بها. ونخلص من ذلك أن تاريخ الأزمات ليس جديدا على الاقتصاد الوطني، لكننا توسعنا في الإنفاق وارتكبنا الأخطاء بعد ذلك ولم نستفد من تجارب الماضي. ربما كانت الظروف الاقتصادية أصعب والتحديات أكبر، خصوصا في ظل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية في 2008، والتي اعتقد المسؤولون حينها بأنها مفيدة لكن واقع الحال كان أسوأ، وتغاضينا عن مؤشر الاعتماد على الذات، بمعنى أن إيراداتنا المحلية لم تكن تغطي نفقاتنا الجارية. ومن ثم هبطت على الأردن تحديات الربيع العربي في العام 2011، وتسببت في انقطاعات متكررة في تدفق الغاز الطبيعي من مصر، صاحبها ارتفاع في أسعار النفط العالمية. بالمقابل ضرب الربيع العربي سورية بقوة وتفاقمت التحديات في وجه العراق، وكان من آثار أزمة اللجوء السوري إلى الأردن تراجع الصادرات الوطنية والتدفقات الاستثمارية الواردة، ما أدى بدوره إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الوطني الذي يحتاج إلى 7 %، فيما تراوح في السنوات الأخيرة دون 3 %، واتسعت الفجوة التمويلية التي قادت إلى ارتفاع المديونية. وفي الفترة ما بين 2012-2015، عدنا من جديد إلى أحضان صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الاستعداد الائتماني وتطبيق السياسات المالية والنقدية التي تمخضت عن سياسات حكومية للمحافظة على منعة الاقتصاد، منها تحويل الدعم إلى المواطن بدلا من السلعة. ورغم تنامي موج الاضطرابات الإقليمية، استطاع الأردن تجاوز المرحلة الأولى من الصدمة وحافظ على أمنه واستقراره رغم وجود بلدان في المنطقة أكثر قوة من الناحية الاقتصادية إلا أنها عانت من غياب الأمن والاستقرار حد الانهيار. واليوم نحن في ظل برنامج اتفاقية التسهيل الممدد بين الأردن والنقد الدولي 2016-2019، حيث استطاع الأردن إنجاز ما عليه وأهمه قانون ضريبة الدخل الذي كان قاسيا حتى تم تمريره بالشكل الذي أقرته السلطة التشريعية، والذي بات محط دراسة خبراء صندوق النقد الدولي حاليا. ربما تبدو الآفاق في المدى القصير غير واضحة من ناحية العلاقة مع المؤسسة الدولية، لكنها ستتجلى بعد إقرار الموازنة سيما وأن البرنامج سينتهي في حزيران (يونيو) 2019، وبالتالي فإن إقرار المراجعة الثانية سيحتم التفكير في خيار تجديد البرامج الإصلاحية أم عدمه، مع الوضع في الاعتبار التداعيات الناجمة عن عدم العودة لبرامج أخرى أو صيغة مشتركة متفق عليها مع المانحين والمقرضين، والموازنة بين منافع مثل هذا القرار وأضراره والخسائر المحتملة، مع مراجعة للأسس التي يقوم عليها تنفيذ برامج الحكومة الإصلاحية. ومن المفيد أن نعرف بأن بعض الدول المانحة تنتظر تجاوز المملكة للمراجعة الثانية كشرط لتحويل بعض القروض، فهل بدأنا الاستعداد لنجتاز هذه العقبة، رغم قناعتنا بأننا نفذنا ما علينا من ناحية ما التزمنا به للصندوق؟ ربما تتبدى الأمور بشكل أوضح في الأشهر القليلة المقبلة والتي ستشهد إلى حد ما لعبة "العض على الأصابع"، حيث التواصل بين الأردن و"الصندوق" متباطئ، ومقتصر على المراسلات والاجتماعات عبر الفيديو بين رئيس بعثة "الصندوق" والمسؤولين الحكوميين الذي ينتظرون الفرج بعد إنجاز قانون الموازنة.اضافة اعلان