الأردن وجراح السلام مع إسرائيل

ربع قرن بالتمام والكمال مرّ على توقيع معاهدة وادي عربة، وهي فترة كافية للحكم على هذه المعاهدة وبخاصة بعد أن تباعدت المواقف بين عمان وتل أبيب في الملف الفلسطيني على وجه التحديد. عندما سعى الملك الحسين رحمه الله للسلام مع إسرائيل كان يريد أن تكون المعاهدة جزءا من سلام شامل وهو سلام بقي سرابا! فالإسرائيليون غير جادين في منح الفلسطينيين حقهم الأزلي في تقرير مصيرهم على ترابهم الوطني. ربما يتذكر الجميع مقولة رئيس الوزراء في ذلك الوقت الدكتور عبدالسلام المجالي (الأكثر حماسا للسلام مع إسرائيل) عندما قال بأن معاهدة السلام دفنت فكرة الوطن البديل مرة وللأبد! ومقولة عبدالسلام المجالي جاءت في سياق تبرير توقيع المعاهدة وحشد الرأي العام خلف حكومته ولم تعكس لا من قريب ولا من بعيد فهما رسميا لمستلزمات دفن الوطن البديل. فمثلا، يستلزم دفن الوطن البديل تحقيق شرطين هما: أولا، قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وثانيا، عودة اللاجئين الفلسطينيين. والحق أن تحقيق هذين الشرطين مستحيل سياسيا نظرا لاستثمار اليمين الإسرائيلي في سياسات على الأرض جعلت من تحقيق الشرط الأول أمرا غير قابل للتطبيق في حين يستلزم تحقيق الشرط الثاني تقويض يهودية المشروع الصهيوني في فلسطين وهو أمر أيضا لا يمكن تحقيقه بمفاوضات ومعاهدات توقع هنا أو هناك أو حتى مبادرات سواء كانت عربية أو دولية. وبعيدا عن مقولة عبدالسلام المجالي التي لم تكن مقنعة حتى في وقت صعود عملية السلام، يمكن القول أن الجانب الإسرائيلي لم يرد فهم أن العلاقة الايجابية مع الأردن مقترنة بتطور إيجابي في المسار الفلسطيني، فلا يمكن الفصل بين الأمرين. السفير الإسرائيلي الأول في عمان شمعون شامير كان قد انتقد عدم فهم إسرائيل للتلازم بين الأمرين لكن بتقديري أن شامير خفف من الأمر، فربما فهم الجانب الإسرائيلي التلازم بين المسارين لكنه اعتبر أن الأردن يحتاج إسرائيل أكثر من حاجة إسرائيل له. في العلاقة مع إسرائيل بالغت النخب في الأردن في التركيز على الاعتبارات الجيوسياسية وكون الأردن منطقة عازلة لا يمكن للجميع إلا الحفاظ عليها. لكن لم يستوعب الأردنيون حقيقة أن الاعتبارات الجيوسياسية هي أيضا مهمة لإسرائيل لكن وفقا لتصوراتهم وأولوياتهم التي تستند برمتها إلى تنفيذ المشروع الصهيوني القائم على عنصرين: التطهير العرقي والاستيلاء على الأرض. ولم يستشرف الأردنيون تغير مصادر التهديد للنظام العربي وبخاصة بعد بروز إيران كقوة إقليمية لها أذرع سياسية وعسكرية ولها مشروع في الإقليم. فنماذج التحالفات الإقليمية قلبت الطاولة وباتت إسرائيل جزءا من معادلات مختلفة بالنسبة لبعض الدول العربية، وهذا بدوره أضعف من الأهمية الجيوسياسية للأردن وهي نقطة ما نزال نتعامل معها بحالة من النكران. وعلى نحو لافت، لا تساهم معاهدة السلام في استقرار الأردن في قادم الأيام، فالسياسات التوسعية الإسرائيلية والسيولة في التحالفات الإقليمية وتغير نماذج العداء والصداقة في هذه الإقليم وانتقال مركز ثقل السياسة العربية من مصر والمشرق العربي إلى منطقة الخليج يطرح أسئلة جديدة لا يبدو أن الحكومات الأردنية قادرة على التعامل معها. والأهم هنا هو كيف يمكن صوغ سياسة خارجية غير كلاسيكية تأخذ بالحسبان حقيقتين: ان تمسكنا بالثوابت المعلنة فإن صداما مع إسرائيل سيكون حتميا، ثانيا، لم يعد العمق العربي حاضرا في الحسابات الاستراتيجية إلا لفظيا ما يعني أن الانكشاف الاستراتيجي ينبغي أن يكون مصدر قلق لصناع القرار في عمان. فربع قرن من السلام مع إسرائيل لم يسهم لا من قريب ولا من بعيد في ترجمة مقولة عبدالسلام المجالي، إذ ما نزال نلعق جراح السلام مع جار توسعي وعنصري ولا يرانا إلا وفقا لمصالحه الصهيونية الضيقة.اضافة اعلان