الأردن وصفقة القرن

ليس مبالغة القول إن صفقة القرن بدأت مع المؤتمر الصهيوني الأول في بازل العام 1897، وما يجري اليوم هو قطفٌ للثمار ولجهود صهيونية أميركية وتخاذل وتخبط فلسطيني عربي بحسن أو بسوء نية. مسيرة الحركة الصهيونية اليوم نجحت في الوصول إلى الوقائع الآتية: أولاً؛ إسقاط صفة الاحتلال عن دولة "إسرائيل" واعتبار فلسطين أرضا متنازعا عليها بين طرفين، وقلْبُ المعادلة بحيث أصبح النزاع بين طرفين؛ طرفٌ يدعي الحق بتلك الأرض "الشعب الفلسطيني" من جهة، وطرف يمثل أصحاب الحق وهم "الإسرائيليون" من جهة أخرى، وبهذا فإن المقاومة الفلسطينية وحتى السلمية منها أضحت إرهاباً، والحق "الفلسطيني تحول لنزاع يجب البت فيه".اضافة اعلان
ثانياً؛ تحول القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى قضية محلية إسرائيلية فلسطينية، فلم تعد الدول العربية الرئيسة طرفاً في النزاع، وتحولت إلى دول تهتم بحل هذا النزاع بما لا يتعارض مع مصالحها وتحالفاتها الدولية، وبعد أن كانت الدول العربية تدعي أنها تقيم تحالفاتها على أساس موقفها من القضية الفلسطينية، صارت تنظر للقضية الفلسطينية من قاعدة مصالحها الذاتية، فإن تعارضت نصرة القضية مع تحالفاتها الدولية فضلت تحالفاتها ومصالحها الذاتية.
ثالثاً؛ تحول أميركا علناً من وسيط لحل النزاع إلى وكيل عن "إسرائيل" في حل النزاع، والصراحة إنها وكيل لا يبذل العناية العادية لتحقيق مصالح "إسرائيل" وحسب، بل إنه يسخر موارده الذاتية وأموال دافعي الضرائب الأميركان لغايات تحقيق مصالح دولة الاحتلال، كما أنه يضحي بسمعته الدولية -وإن كان ترامب لا يأبه بالعالم ولا بسمعة أميركا الدولية- في سبيل مصالح "إسرائيل"، حتى أن أميركا خرجت من المجلس الدولي لحقوق الإنسان احتجاجاً على تحيز المجلس ضد إسرائيل!
على الصعيد الإقليمي، فقد تم إعادة ترتيب خريطة الأعداء في المنطقة ليكون الصراع السني الشيعي في أعلى القائمة، وبعده النزاع الدولي ضد الحركات الإرهابية، تلك الحركات التي أقامتها ومولتها أميركا بالمال والسلاح، وخلقت بذلك ساحات حرب طاحنة للأعداء الجدد، وبهذا أضحى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هامشياً أمام فظاعة الحرب في دول المنطقة، وواضح أن معسكر الممانعة والتحالف الآخر لن يقدم مصالح العرب على مصالحه الشخصية ولن يحارب "إسرائيل" وحيداً وسيبقى في حالة حرب معها باعتبار ذلك أيضاً مصلحة لاستمرار دوله ومشاريعه الذاتية.
الأردن في تحالف تاريخي مع أميركا، ولا يقوى على الانفكاك من هذا التحالف الآن، ومع ذلك فإن الأردن، بقيادة الملك شخصياً، هو الدولة العربية الوحيدة التي ما تزال ترفض احتلال فلسطين وتتمسك بالحقوق الفلسطينية على كامل أراضي الضفة الغربية، كما تتمسك بقوة بالوصاية الهاشمية على القدس، ويبدو أن الصفقة ابتعدت عن أرض الأردن نحو غزة، فالتسريبات تشير الى أن الصفقة تتضمن ترحيل أو نشر سكان الضفة وغزة في أرض تُضم إلى غزة من أراضي سيناء "غزة الموسعة".
من المفيد التأكيد في لحظات المفاوضات النهائية حول صفقة القرن، أن الشعب الأردني الذي يعتز بدولته ويفخر بتاريخه لن يقبل أي حل على حساب هويته أو دولته سكاناً وحدوداً، وسوف يقاوم أي محاولة للاعتداء عليه، مقاومة لم يعرفها العالم من قبل، وكذلك فإن ما يغفله العالم، وخاصة أميركا، أن الفلسطيني وعبر رحلة نضاله تسلح بوعي وإرادة صلبة ولن يخرج من أرضه ولو أمطروها قنابل أو دولارات كاش، وسيعلم وكيل إسرائيل الأميركي أن هناك قضايا لا تشترى حتى بالدولارات الكاش، ولهذا قد نشهد قريباً مراسم توقيع صفقة القرن، ولكنها في اعتقادي ستظل حبراً على ورق، وسنظل نقول إنه أردن عزيز قوي حتى النصر.