الأردن وعاصفة النظام المالي العالمي

تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لمتابعة ما يجري عالمياً في موضوع عاصفة النظام المالي العالمي وانهيار البورصات العالمية، تعد بداية على الطريق الصحيح وان كانت  متأخرة، ونتمنى ان تكون بداية للتعامل المحلي الواقعي مع أزمة عالمية كبرى لا أحد يدري إلى أين سوف تمتد وماذا ستشمل بعد الأسواق المالية ، وما هي تداعياتها على القطاعات الأخرى.

اضافة اعلان

 هذه الخطوة يجب ان تكون نهاية مرحلة الصمت الرسمي التي دامت شهورا وأسابيع وتحولت مؤخراً إلى ما يشبه  ترديد يقين قطعي على ألسنة بعض المسؤولين يرفض القول بأي تأثير للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني بالاختباء خلف مقولات الإفصاح والشفافية تارة أو بالقول بان لا دخل لنا بما يحدث؛ وكأننا لم نكن على مدى السنوات الماضية نردد بتباهٍ بأننا من أكثر دول العالم اندماجا بالعولمة وبالاقتصاد العالمي.

نحن بالفعل بحاجة إلى طمأنة المجتمع الأردني والفعاليات الاقتصادية، ولكن مصدر الطمأنة الحقيقي ليس بالصمت المطبق ولا بالتصريحات التي تفترض فجأة ان بلادنا جزيرة معزولة عن العالم، الطمأنة الحقيقية تتأكد بالمتابعة والإفصاح وبالإحاطة والتحوط معاً، وبخطوات إجرائية تدل على أن الدولة ومؤسساتها في قلب المشهد وتراقب العاصفة، وتتخذ من الإجراءات الوقائية ما يؤكد أن التأثيرات سوف تكون محدودة.

بالفعل هناك تأثيرات معنوية عميقة في مسار الأزمة وتحديد اتجاهاتها؛ فرأس المال الجبان تحركه المخاوف والانفعالات والأرقام معاً، وكما انه لا يجب التقليل من حجم وحدة هذه العاصفة الكبرى، في نفس الوقت يجب عدم المبالغة والتهويل وترديد إيديولوجيا عتيقة تلوح بانهيار الرأسمالية وزوالها، الرأسمالية بالفعل تهتز بعمق، لكن ربما ستتحول هذه العاصفة إلى ولادة جديدة للنظام الرأسمالي العالمي، يدشن من  خلالها الموجه الثالثة من العولمة، وربما ما نراه اليوم سيكون غداً مجرد آلام المخاض الصعب!

فالمسألة ليست مرتبطة بالبورصة فقط ولا بأزمة الرهن العقاري في السوق الأميركية، بل امتدت كما لاحظنا إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية واليوم نلاحظ ذلك في  أسواق الخليج العربي والسوق المصرية.

   وفي هذا الشأن  فان الطمأنة الأردنية المطلوبة تُعنى بالموقف المحلي أي كفاءة الإدارة الذاتية للتعامل مع أزمة ممتدة في بيئة خارجية، وهذا  يحتاج إلى إحاطة جارية بما يحدث  في العالم وفي الجوار ووضع سيناريوهات وبدائل سريعة، وطرح أسئلة حقيقية وجادة حول تأثير هذه التحولات على مسائل عديدة تمس مسارات الاقتصاد الوطني؛ على سبيل المثال: ماذا عن تأثير الأزمة على مستقبل المساعدات الأميركية للأردن وبرامج التمويل الغربية إذا ما ازدادت حدة الأزمة وتفاقمت، هل توجد أرصدة وتعاملات أردنية في الأسواق المتضررة؛ ولو كانت صغيرة بالنسبة للأرقام العالمية، ربما تكون كبيرة بالنسبة لاقتصاد صغير كاقتصادنا، وماذا بشأن الاستثمارات الخليجية التي تشكل النسبة الكبرى من حجم الاستثمارات الخارجية  في الأردن؟ بعدما وصلت العاصفة شواطئ الخليج؟ وماذا عن مستقبل المدن الصناعية المؤهلة والمخصصة للتصدير للأسواق الأميركية بعدما دخلت تلك الأسواق في حالة الركود وربما دورة بيات شتوي وصيفي طويل؟  ثم ماذا عن تأثير هذه التحولات على السياحة في الأردن التي تشكل (14%) من الناتج الإجمالي الوطني وتعتمد بالدرجة الأولى على الأسواق السياحية الغربية.

في المقابل هل تحمل هذه العاصفة فرصاً للأردن، وهذا الأمر وارد إذا ما تم تدبره بكفاءة سياسية واقتصادية؛ إن احد أهم السيناريوهات المحتملة هجرة أو هروب رؤوس الأموال إلى الأسواق الصغيرة الأكثر أمنا  نحو الاستثمار وحتى في التوطين المحلي، ثمة فرص بحجم المخاطر كل منها يحتاج إلى التدبير السياسي إلى جانب الإدارة الاقتصادية.

هذه التحولات ليست اقتصادية صرفة، بل أزمة سياسية ولها جوانب فكرية يعود عمرها الفعلي إلى أكثر من عامين في الولايات المتحدة ، والمنظرون هناك يعتبرون بان مصدرها ضعف الحكومة الأميركية خلال السنوات الأخيرة وانشغالها بصراعات دولية جعلتها تنصرف عن تفعيل سيادتها الكاملة على كل ما يجري، ونحن اليوم أمام نهاية فكرة ما سمى توافق واشنطن ( انفتاح كامل للأسواق وحرية شبه مطلقة أمامها وادوار ضعيفة للحكومات ورفض تدخلها ولو بالحد الأدنى).

ولاحظنا خلال الأسابيع الماضية كيف انتقل الثقل في الحراك من نيويورك العاصمة الاقتصادية إلى واشنطن العاصمة السياسية، وأصبحت الأزمة الكبرى تدار من قبل الحكومة الفدرالية والكونجرس وليس من قبل شوارع المال في نيويورك ولندن.

المطلوب أردنياً طمأنة الناس وطمأنة الفعاليات الاقتصادية ليس باليقين المطلق بأننا خارج العالم وبالشفافية من دون أن نرى شيئا، بل بالإحاطة والتحوط والمراقبة والخطوات الاستباقبة المدروسة، والمطلوب أيضاً التعرف وبسرعة على ما تتيحه هذه الأزمة من فرص!