الأردن ولبنان وعنف "الزعتري"


رغم فداحة الخسائر البشرية التي نتجت عن موجة العنف والاحتجاجات الأخيرة في مخيم الزعتري أول من أمس، سواء بين أفراد الشرطة والدرك أو بين اللاجئين أنفسهم، والحزن على وصول الأمور إلى هذا الوضع ووقوع جرحى، فإن العنف والاحتجاج وتظلمات اللاجئين السوريين، التي يتعامل الأردن مع استحقاقاتها وسلبياتها، قد تكون الأبسط، ولا تكاد تذكر مع باقي السلبيات والتحديات التي تخلقها أزمة تدفق اللاجئين السوريين إلى المملكة.اضافة اعلان
لم يكن حادث اندلاع العنف والاحتجاج الدامي في الزعتري الأول من نوعه أول من أمس، وقد لا يكون الأخير. لكن الأخطر والأكثر إيلاما وسلبية، على اللاجئين أنفسهم وعلى الأردن أيضا، هو استمرار تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين، تاركين أراضيهم وممتلكاتهم وذكرياتهم وأحلامهم، وما يتركه ذلك من آثار إنسانية ونفسية واجتماعية ومادية على هؤلاء البشر من جهة، وما يخلفه ذلك، من جهة أخرى، من مركب أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية وضغوط لا تنتهي على البنى التحتية للأردن، المثقل بمرارة شح الموارد.
يشترك الأردن مع لبنان في دفع الضريبة الأغلى بعد الشعب السوري ودولته، للأزمة السورية الممتدة لثلاث سنوات مضت. ولا تقف القضية بالنسبة للدولتين عند آثار رقم المليوني لاجئ سوري اللذين توزعا على البلدين، وما خلفاه من خسائر اقتصادية وأمنية واجتماعية غاية في العمق، بل إن الخطر والتحدي الكبير الذي يواجه البلدين أكثر من غيرهما في العالم، هو في ما يحمله استمرار الأزمة السورية، والحرب الأهلية الدائرة في سورية. وهي حرب فريدة من نوعها بين الحروب الأهلية، حيث هي حرب أهلية إقليمية ودولية بأبعاد داخلية، وساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، السياسية والجيوسياسية والطائفية وغيرها.
 في لبنان، التأثيرات الصارخة للأزمة السورية تأخذ منحى خطيرا من الناحية السياسية والأمنية والطائفية، تهدد في حال استمرار الأزمة من دون حل سياسي، بمزيد من الانهيار للجبهة اللبنانية، إضافة إلى آثارها الاقتصادية والمادية القاهرة على اللبنانيين. فيما يختلف الوضع الأردني عن نظيره اللبناني فيما يتعلق بآثار الأزمة السورية، بغياب البنية التحتية الطائفية، والحمد لله. لكن ذلك لا يعني أن تحديات وآثار الأزمة على الأردن تقل خطورة عن الوضع اللبناني.
فآخر التقديرات لأعباء اللجوء السوري على المملكة، المثقلة بالديون وعجز الموازنة وندرة الموارد، تصل إلى ثلاثة مليارات دينار العام الحالي، فيما يتوقع لأعداد اللاجئين التزايد حتى نهاية العام، في ظل تراجع أفق الحل السياسي، واستحالة الحسم العسكري من قبل أي من طرفي الأزمة، وفي وقت لا تغطي المساعدات الدولية إلا جزءا يسيرا من حجم العبء الاقتصادي والأمني والاجتماعي للأزمة على الأردن.
هذا ناهيك طبعا عن الآثار السلبية الكبيرة أمنيا وجيوسياسيا، وأيضا اجتماعيا، ما يجعل الأزمة السورية بحق أكبر الأزمات التي تواجه المملكة بعد نكبة فلسطين وإقامة الكيان الإسرائيلي.
في هذا السياق، قد لا تبدو أحداث الاحتجاج والعنف المؤسفة في مخيم الزعتري أول من أمس بقضية كبيرة، فالقضية الأساسية اليوم هي في تواصل الأزمة، والحرب الطاحنة في سورية، التي تفجر وتولد كل الشرور في المنطقة كلها، فيما ما يزال بعض الأطراف الدولية والاقليمية يراهن على خيارات الحسم العسكري، وإذكاء الصراع بكل أنواع الدعم المالي والعسكري والبشري، وليذهب الشعب السوري ومصلحة الإقليم كله إلى الجحيم!