الأردن ومصر.. الغاز يشعل الهواجس

تحتاج العلاقات الأردنية-المصرية إلى إعادة تعريف من جديد. وربما تشكل زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، إلى عمان اليوم بداية لذلك.
منذ ثورة 25 يناير وصعود الإسلاميين إلى السلطة في مصر، اتسمت العلاقة بين البلدين بالحذر الشديد. على المستوى الدبلوماسي، كانت الأمور تبدو طبيعية بين القاهرة وعمان، لكن ملف الغاز على وجه التحديد كان كفيلا بإثارة هواجس لا تنتهي عند الجانب الأردني. ومع تصاعد التوتر بين الحكومة والحركة الإسلامية في الأردن، على خلفية الموقف من الانتخابات النيابية، ساد اعتقاد في أوساط بعض المسؤولين بأن إخوان مصر يحرضون أقرانهم في الأردن على تثوير الشارع ضد النظام. لم يكن هناك في الواقع من أدلة تدعم هذا الاتهام، لا بل إن مسؤولا كبيرا قال في أحد اللقاءات إن قيادة التنظيم العالمي في مصر حثت الإسلاميين في الأردن على المشاركة في الانتخابات.اضافة اعلان
في اعتقاد الكثيرين أن حالة عدم الاستقرار في العلاقات الأردنية-المصرية لها ما يبررها؛ مصر تعيش وضعا انتقاليا صعبا ومعقدا، منشغلة بمشاكلها الداخلية، ولا يمكنها في هذه المرحلة أن تفكر بأبعد من غزة التي انفجر ملفها على نحو غير مخطط له. والأردن الذي نسج أعمق تحالف سياسي مع نظام حسني مبارك، يحتاج إلى بعض الوقت كي يتأقلم مع تغيير أطاح بحليف مقرب، وجاء بسلطة "إخوانية" يخشى أن تلعب دورا مشابها لنظام عبدالناصر في الخمسينيات من القرن الماضي.
في الآونة الأخيرة، تولد انطباع لدى دوائر صنع القرار الأردني بأن مصر تتجه إلى بناء محورعربي إقليمي في مواجهة دول المنطقة. عزز هذا الشعور الطريقة التي أدارت بها الدبلوماسية المصرية مفاوضات الهدنة لوقف العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. بيد أن المتابع لعلاقات البلدين يحفظ في ذاكرته شكوى أردنية مريرة من سلوك المصريين في أزمات مشابهة إبان حكم مبارك؛ إذ كان النظام المصري السابق يحرص خلالها على تفرد مصر بإدارة الأزمات الإقليمية، ويتجاهل أقرب الحلفاء.
تحت ضغط الأزمة الاقتصادية وتراكم العجز المالي جراء انقطاع الغاز المصري، ألقى الجانب الأردني باللائمة على القاهرة، واتهمها علنا بالمسؤولية المباشرة عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية. ولم تفلح الجهود الدبلوماسية وزيادة كمية الغاز المورّدة، في تخفيف حالة الاحتقان. وبدا أن الأردن يتجه إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، تمثلت في التضييق على العمالة المصرية، إذ شرعت الجهات المختصة في ترحيل المئات منها.
اتصال هاتفي بين الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري محمد مرسي كان كفيلا باحتواء الموقف. ثم تلا ذلك بأيام الإعلان عن زيارة قنديل لعمان.
ويعول المراقبون أن تساهم الزيارة في تسوية الملفات المعلقة بين البلدين، وبالأخص ملف الغاز. لكن الخطوة على أهميتها ليست كافية لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، وستظل الحاجة قائمة إلى اجتماعات وزيارات على مستوى أعلى.
لا أحد ينافس مصر على دورها القيادي في العالم العربي، والمشكلة مع النظام السابق أنه تخلى عن هذا الدور لضمان البقاء في الحكم وتوريثه. لكن ليس المطلوب أبدا إعادة انتاج الدور القديم. يتعين على "مصر الجديدة" أن تنأى بنفسها عن سياسة الأحلاف، فذلك دور لا يليق بمكانتها القيادية. وعلى الأردن، في المقابل، أن يتجاوز هواجسه وشكوكه، وينسى "مصر القديمة"؛ مصر مبارك وجمال، ويتقبل الواقع كما هو.

[email protected]