الأردن ومعركة كسب القلوب والعقول

  تواجه السياسة الخارجية الأردنية تحديات جسام على المستوى الدولي والإقليمي تتطلب جهدا استثنائيا غير تقليدي يتجاوز المسارات المعتادة إلى فتح قنوات جديدة وقبل ذلك تفكير عميق في تجديد الاستراتيجية والأدوات لبناء القدرات المطلوبة لعملية صنع السياسة الخارجية في هذه الفترة التي تشهد فيها البيئة الإقليمية تحولات خطيرة وبنيوية تتطلب أولا فهم هذه التحولات والقوى الفاعلة ثم تعريف المناهج المطلوبة لتحقيق المصالح الحيوية الأردنية في ظل هذا التوتر.

اضافة اعلان

    وفي قلب هذه التحديات يقع العراق، خاصة بعد أن تعرّضت صورة الأردن ومواقفه إلى تشويه كبير داخل العراق بطريقة متعمدة الهدف منها خلق فجوة كبيرة مستقبلا بين العراق والأردن، وبلا شك هناك قوى إقليمية وداخلية عراقية مستفيدة من هذا التشويه والحملة الكبيرة على الأردن هناك، وللأمانة لا يقف هذا التشويه لدى قوى ومعسكرات داخل الشيعة تمكنت من خلق صورة نمطية سلبية عن الأردن حكومة وشعبا، بل يمتد إلى العرب السنة بذرائع مختلفة ومتعددة، في حين هناك ضعف شديد في الاهتمام متبادل بين الأردن والأكراد، وغياب لأي جسور من العلاقات واللقاءات.

   حملة التشويه التي يتعرض لها الأردن داخل العراق تحمل مفارقات غريبة تُظهِرُ بشكل واضح دور القوى الإقليمية والداخلية في بناء وعي  شعبي عراقي سلبي من الأردن، فهناك من يتهم الأردن بدعم الإرهاب في العراق وتأييد جماعة الزرقاوي (المطلوب الأول للأردن!)، وقد وصل الأمر ببعض القوى العراقية إلى اعتبار الأردن معسكرات لتفريخ الإرهابيين، بينما هناك من يرى أن الأردن لعب دورا كبيرا في سقوط النظام العراقي السابق وأنه حليف كبير للاحتلال الأميركي، والمفارقة الثالثة أن هناك من يرى بأن الازدهار الاقتصادي الأردني كان نتيجة التحالف مع النظام العراقي السابق! في حين تتناقض المواقف العراقية حول استقبال الأردن لمئات الآلاف من العراقيين بما في ذلك بعض الاستثمارات!.

    وبعيدا عن مناقشة الصور والمواقف السابقة، فتناقضاتها ومفارقاتها الصارخة كفيلة بالرد عليها ودحضها، إلا أنّ الخيط الذي أريد التقاطه من هذه المفارقات هو دور قوى إقليمية وداخلية متعددة في عملية التشويه التي أدت إلى نتائج سلبية كبيرة على المصالح الحيوية الأردنية في العراق في الفترة الأخيرة. الرد الأردني على الصعيد الرسمي والإعلامي تمثل ابتداء بالعمل على امتصاص الحملة الإعلامية والاتهامات المتتالية التي ظهرت في بعض التصريحات الرسمية والشعبية وفي الفضائيات والصحف العراقية، وعدم الرد على هذه الحملة.

    سياسة التهدئة الأردنية أدت دورا جيدا في عدم التصعيد بين الدولتين، لكن هذه السياسة غير كافية. فالمطلوب مبادرة أردنية لبناء علاقة إيجابية مع العراق الجديد، وأول شروط هذه المبادرة بناء إدراك سياسي عميق لطبيعة الوضع الداخلي في العراق والقوى والرموز الفاعلة هناك ومفاتيح المرحلة القادمة، والشرط الثاني هو بناء جسور من التواصل الخاص مع القوى التي يمكن أن تتفهم المواقف الأردنية وتدرك أهمية بناء علاقات إيجابية بين الدولتين، كما يتطلب الأمر إيجاد جسور مع مؤسسات وأدوات إعلامية داخل العراق لتوضيح المواقف الحقيقية والصورة الصحيحة للسياسة الخارجية الأردنية، بمعنى تجاوز الدبلوماسية الرسمية وقنواتها المحدودة والانفتاح على الدبلوماسية الشعبية العامة لكسب معركة العقول والقلوب داخل العراق وهو التحدي الأهم –في تقديري- للسياسية الخارجية الأردنية. فالنظام السياسي العراقي الجديد ما زال في مرحلة التشكل، والاكتفاء بالقنوات الرسمية لن يجدي نفعا، لأن القوى الفاعلة متعددة ومشتبكة وأسرار النفوذ ليست -بالضرورة- في السلطة الرسمية، لكنها حاضرة في السلطة الشعبية.

    في حوار جمعني سابقا بعدد من الإعلاميين العراقيين زاروا الأردن أغلبهم يعملون في مؤسسات شيعية جرى حديث صريح حول العلاقة الأردنية- العراقية، ولم ينتظر الزملاء مني توضيح الصورة الحقيقية للأردن، فقد أوضحوها هم! لكنهم قالوا ليس المهم أن تكون هذه هي الصورة الحقيقية فالمهم هو القدرة على بنائها لدى العراقيين. الأردن ما زال مستنكفا عن بناء جسور سياسية وإعلامية مع القوى العراقية الجديدة، بينما تمتلك دول الجوار الأخرى قنواتها وأدواتها ومفاتيحها، والسياسة الخارجية الأردنية مطالبة اليوم أن تدخل بوابة العراق بالمفاتيح المناسبة.

[email protected]