الأردن 2030.. الصحة والعمل والأسواق

يعتمد النجاح المستقبلي على نحو واضح ومباشر على مستوى من العدل والتعليم والصحة والتكامل الاجتماعي يمكّن المواطنين من العمل والإنتاج واستيعاب التغيرات الكبرى في العمل والأسواق. وفي استمرار المؤشرات الصحية والاجتماعية القائمة اليوم فإن قدرة المواطنين على التمتع بصحة جيدة وفرص للعمر المديد كما في المعدلات والمؤشرات العالمية تتراجع، وربما يكون أكثر من نصف المواطنين غير قادرين على الحصول على العلاج والدواء، إذ لن يكون التأمين الصحي حقيقيا وكافيا سوى للقادرين على الاشتراك في القطاع الخاص أو الخدمات الطبية للعسكريين، وأما الذين يعتمدون على وزارة الصحة وهم أكثر من نصف المواطنين فلن يكون في مقدورهم الحصول على تأمين وخدمات كافية وملائمة، ويتبع ذلك بطبيعة الحال تزايد حالات الوفاة بسبب المرض ونقص العناية، وسوف تؤدي حالات سوء التغذية وفقر الدم التي أشرت إليها في مقالة سابقة إلى متوالية من الأمراض والضعف الصحي ولن يكون في مقدور الأطفال وكبار السن والنساء خاصة على تلقى العلاج بنسبة كافية، وربما يكون الكثير منهم يعاني من حالات مرضية مستعصية وفات الأوان على علاجها؛ مثل التقزم وضعف البصر ونقص المناعة وهشاشة العظام، وضعف المهارات العقلية والمعرفية.اضافة اعلان
وهناك وكما في كل مجتمع نسبة من المواطنين بحدود 15 - 20 في المائة من كبار السن والمعوقين والمرضى أمراضا مزمنة دائمة أو طويلة الأمد (مثل السكري والسرطان والتوحد والقلب،..) تحتاج إلى رعاية صحية واجتماعية مستمرة مؤسسية ومتخصصة ومكلفة لن يحصل عليها معظم المحتاجين وفي تراجع الدخل لن يكون في مقدور الأسر توفيرها، وفي ذلك سوف تزيد الوفيات بسبب هذه الأمراض ونقص العناية وتزيد المعاناة ايضا، وتنزلق أعداد كبرى إلى الفقر بسبب الإنفاق على الصحة والرعاية، ويبدو اليوم واضحا أن الأسرة التي يحتاج أحد أفرادها إلى عناية مؤسسية مستمرة أنها دخلت في تحديات اقتصادية كبيرة تفوق احتمال معظم المواطنين.
وفي تحول الثروة والموارد إلى المعرفة والإبداع، فإن رأس المال البشري يكون هو المورد الأساسي للأمم والأفراد، ويعتمد ذلك بطبيعة الحال على بيئة تعليمية وإبداعية واجتماعية وصحية متقدمة وكافية، كيف نطور ونفهم ونقيس الكفاءة الإنتاجية أو رأس المال البشري، بما هو العمود الفقري للاقتصاد الجديد؟
إن الاقتراح البديهي الذي تتجه إليه الدول هو سياسات تعليم ورعاية متقدمة تبدأ منذ الولادة وتستمر مدى العمر، وإدارة وتنظيم برامج تعليم مبكر وتغذية صحية شاملة لجميع الأطفال، فلا يمكن العبور إلى المستقبل إلا بأجيال متعلمة تعليما متقدما وتتمتع بصحة جيدة، وهكذا يمكن القول تلقائيا إن استمرار الأوضاع القائمة كما هي لا يعني أن تظل المؤشرات التنموية كما هي، لكنها سوف تمضي في تدهور وتراجع مقلق، لأنها تعني بوضوح لا يحتاج إلى جهد كبير في التخمين والتقدير، تضاؤل فرص العمل والحياة الكريمة، وتزايد الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين المواطنين والمناطق والطبقات.
إن التأثير في المستقبل القريب على نحو يحتفظ بالمكاسب القائمة إن لم يحسنها لا يعني بحال من الأحوال أن تسير الأعمال والمؤسسات بتلقائية، لكن ثمة حاجة إلى إعادة تنظيم وتوجيه الإنفاق العام نحو بناء وتوسعة الخدمات والمرافق، ويحتاج استعادة مستوى الخدمات والأداء الذي كانت عليه المؤسسات والأسواق فضلا عن تحسينها وتطويرها إلى مراجعات وتدخلات كبرى، لأن المؤسسات نفسها أصبحت مشكلة وتزيد المشكلات والتحديات المستقبلية، ليس فقط بسبب الزمن وزيادة عدد السكان، لكن بسبب التغيرات التقنية والاقتصادية والاجتماعية التي تغير العالم.