الأزمة الإيرانية الأميركية: المواجهة أو التفاوض؟

دخلت الأزمة الأميركية الإيرانية منعطفا خطيرا مع سريان الحزمة الجديدة من الإجراءات الأميركية وانتهاء فترة السماح التي مُنحت للدول الثماني، الهند، الصين، كوريا الشمالية، اليابان، تركيا، إيطاليا، تايوان بالحصول على النفط الإيراني وهذا يعني عملياً تراجع الصادرات النفطية من 54 % عندما أعلنت الولايات المتحدة الاميركية الوجبة الأولى من العقوبات الى "صفر"، ما دفع القيادة الإيرانية للتلويح باتخاذ قرارات تتعلق بمصير الاتفاق النووي الذي ما تزال تلتزم به هي مع بقية أعضاء 5+1. ويمكن فهم تصريحات الرئيس روحاني التي وردت يوم الأربعاء "بأن إيران تسلك طريق الدبلوماسية ولا تريد الحرب ولكنها صبرت لعام كامل ونفذت كل تعهداتها وهي ستسلك طريقاً آخر لأن الاتفاق النووي بحاجة لجراحه خاصة ولم يعد ممكنا اللجوء للأقراص المهدئة وأن الجميع سيواجهون اجراءً إيرانياً صارماً"، بأنها رسالة تحذير أخيرة. من الواضح أن إيران على وشك اتخاذ جملة من الإجراءات مهدت لها الصحافة الإيرانية والمسؤولين الإيرانيين خلال الأسابيع الماضية تتعلق بوقف تنفيذ بعض التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي مثل وقف بيع اليورانيوم المخضب الفائض عن 300 كيلو غرام ووقف بيع الماء الثقيل وزيادة إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم، وهي المادة الخام المستخدمة في أجهزة الطرد المركزي، وإعطاء مهلة ستين يوماً لأطراف الاتفاق النووي لضمان مصالحها في مجال تصدير النفط والتعاملات البنكية وان فشل ذلك فهي ستزيد من التخصيب وتلوح بمزيد من الإجراءات وهي تستند للمادتين 26 و36 من الاتفاق النووي اللتين تعطيان إيران حق خرق الاتفاق وليس من حق الدول الموقعة على الاتفاق النووي العودة لفرض العقوبات إلا بالعودة لمجلس الامن وهو ما قد يواجه بالفيتو الروسي والصيني المشترك. تتصاعد تهديدات الطرف الأهم في الصراع وهو الولايات المتحدة الاميركية من خلال إرسال حاملة الطائرات العملاقة "لنيكولن" والبوارج والسفن الحربية المرافقة لها ووصول قاذفات بي. 52 العملاقة كرسالة تحذيرية للإيرانيين، كما حذر مستشار الامن القومي الأميركي جون بولتون من مغبة استهداف مصالح الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في المنطقة في الخليج وخطورة قيام الجانب الإيراني بإعاقة الملاحة البحرية. ويمكن فهم قيام وزير الخارجية الأميركي بومبيو بقطع زيارته لألمانيا والتوجه فوراً للعاصمة العراقية بغداد وتحذير الحكومة العراقية الحليفة لطهران من مغبة عدم القيام بحماية الجنود الأميركيين المتواجدين في العراق وربما التلويح بالقيام بعمليات عسكرية تستهدف الجماعات العراقية الموالية لإيران في العراق. من المؤكد أن المنطقة دخلت في مرحلة حرجة من خلال رفع منسوب الضغوط الاستراتيجية الأميركية على إيران والتلويح الجدي بعمل عسكري قد يستهدف العمق الإيراني وليس ضرب مصالحها الإقليمية فقط قد تكون إسرائيل مشاركة فيه، مع الاستمرار بمحاصرة إيران التي تعيش ظروفاً اقتصادية خانقة نتيجة صعوبة بيع النفط وتدهور سعر الريال وارتفاع التضخم وزيادة الديون لتصل 50 % من الناتج الاقتصادي وتصفية الشركات الأوروبية أعمالها. الرد الإيراني على التهديدات الاميركية جاء سريعاً بأنها في حالة جاهزية كامله عسكرياً لمؤازرة حاملاتها النفطية حتى تعبر مضيق هرمز وأنه إذا لم تعبر حاملات النفط الإيرانية فإن أحداً لن يصدر نفطه عبر هرمز وأن خنق الشريان النفطي لها سيدفعها لخنق الاخرين ايضاً. العالم اليوم أمام أزمة يمكن اعتبارها من أكثر الازمات السياسية تعقيداً خلال السنوات الأخيرة؛ كل الأطراف الدولية والإقليمية توظف أوراق ضغطها حتى تحقق أكبر مكاسب أو تهيئ ظروفاً مناسبة إما لمواجهة عسكرية كما ترغب أسرائيل أو الدخول في تسوية سياسية بين واشنطن وطهران أو التوافق على آلية تنظم الخلافات بينهما لا حلها.اضافة اعلان