الأزمة التي يصدّرها نتنياهو إلى الأردن

لم يعد الحرم القدسي، وفيه المسجد الأقصى، يثير اهتمام كثيرين، والذي يتأمل حال النخب في العالم العربي، يصاب بخيبة كبرى، اذ يتحدثون عن كل شيء، من سعر رغيف الخبز، الى الانتخابات النيابية، مرورا بحقوق القطط في قطع الشوارع دون أذى، لكنهم يتعامون عن قضية دينية ذات تأثيرات سياسية كبرى، تتعلق بكل ملف القضية الفلسطينية. هذا عار كبير ان تتعامى النخب والشعوب أيضا، عن هذا الملف، وليس ادل على ذلك ما يقوله او يفعله الصحفيون، النواب، الوزراء، السفراء، قادة الرأي العام، الحزبيون، الاقتصاديون وغيرهم، في اغلب الدول العربية، فالكل مشغول بقضايا أخرى، وندر ان تجد تعبيرات سياسية او شعبية، في هذا الملف، مقارنة بعقد مضى، وكأن الإرهاق والانهاك في عصب هذه المنطقة، وصل الى اعلى درجاته، وبحيث تترنح كل المنطقة، تعباً. نحن الآن، امام خطر كبير، غدا الخميس، وخلال شهر آذار الحالي، وهو خطر يتجدّد، ويوجب اليوم تحركا رسميا، وشعبيا، وعلى كل المستويات، من اجل وقف ما يجري في القدس. الفلسطينيون في القدس، فتحوا مصلى باب الرحمة، وبواباته المغلقة، منذ العام 2003، والاغلاق السابق كان بقرار من المحكمة الإسرائيلية، ومنذ فتحه في شباط الفائت، تريد الحكومة الإسرائيلية إعادة اغلاقه، كسرا لإرادة الناس في القدس، إضافة الى حاجة نتنياهو على مشارف الانتخابات الإسرائيلية، الى ما يدعم شعبيته امام الناخبين الإسرائيليين، او يخفف عنه اتهامات الفساد، عبر فتح معركة أخرى داخل الحرم القدسي، حتى لو أدى ذلك الى تصدير أزمته الشخصية، او حملته الانتخابية الى الأردن، كونه يرعى هذه المواقع. جماعات الهيكل، اجتمعت وقررت القيام بنشاطات خطيرة داخل الحرم القدسي، أولها غدا الخميس، عبر اقتحام منطقة باب الرحمة، والسيطرة على المصلى، مع دعواتها لتحويل المصلى الى كنيس في حرم المسجد الأقصى، إضافة الى الدعوات لطرد اوقاف القدس التابعة للأردن، وإنشاء مديرية للسيطرة على الموقع إسرائيليا، وتنظيم اقتحامات مركزية كبرى خلال الشهر الجاري، والضغط للصلاة اليومية داخل الحرم القدسي. مع هؤلاء توجه المحكمة الإسرائيلية، إنذارا الى اوقاف القدس، من اجل إعادة اغلاق باب الرحمة في السور الشرقي للمسجد الأقصى، والمصلى عبارة عن قاعة كبيرة داخل أسوار الأقصى، قرب باب الرحمة، بمساحة مائتين وخمسين مترا مربعا، وبارتفاع خمسة عشر مترا، وتعلوه غرف كانت تستخدم مدرسة، والقضاء الإسرائيلي، يخدم المشروع ذاته. تمهل المحكمة الإسرائيلية، الأوقاف أسبوعا، لإعادة الاغلاق على الرغم من اكتشاف الإسرائيليين ذاتهم، ان لا تمديد قضائيا منذ شهر آب الماضي، للقرار السابق بإغلاق المصلى الذي يعد معلما مهما من معالم الحرم القدسي الشريف، وبهذا المعنى فإن كل قرارات اعتقال المقدسيين الذين تم اعتقالهم على خلفية فتح باب الرحمة في الثاني والعشرين، من شهر شباط، قرارات لا تستند الى أي بعد قانوني، فوق انها قرارات صادرة من الاحتلال. القدس، امام مواجهة كبيرة، والمقدسيون أيضا امام مهمة يقومون بها كل مرة، لكن الخطر الأساس الآن، يتعلق بسعي الإسرائيليين لشطب اوقاف القدس، من اجل السيطرة على الحرم القدسي، إضافة الى طمس هوية المكان، وتقاسمه جغرافيا او زمنيا، في المرحلة الأولى، وكل هذا يجري برعاية غير معلنة من الحكومة الإسرائيلية، التي يجد رئيسها في هذا الملف وسيلة للفوز في الانتخابات، او على الأقل تخفيف حملات اتهامه بالفساد، أيضا. هذا يعني ان الأردن أيضا، أمام أزمة كبرى، يريد نتنياهو ان يصدرها اليه، لاعتباراته الشخصية، خصوصا، ان الأردن يعد طرفا مباشرا في هذا الوضع، وعلينا ان نستعد هنا، لاحتمالات مختلفة، مع توجه الإسرائيليين للتصعيد، وهو تصعيد لا يمكن وقفه الا عبر سوار الحماية الشعبية في القدس أولا، وما يمكن ان يفعله الأردن من اجل وقف الإسرائيليين عند حدهم، دون ان ننكر ان إسرائيل تريد تنفيذ مشروعها في القدس أيا كانت الكلفة. لنفتح عيوننا جيدا، في هذا التوقيت، على كل المستويات، بدلا من تشاغل اغلبيتنا بقضايا ثانوية يرونها اكثر أهمية، وكأن العرب عموما يبرقون بالرسالة الأسوأ؛ رسالة خذلان المسجد الأقصى، وتركه في هذه الظروف الصعبة، والمؤثرة أيضا على هوية القدس.اضافة اعلان