الأزهار والصحة النفسية والاجتماعية

في قاموس المنجد والمعجم الوسيط: أزهار وزهور وأزاهير بمعنى واحد. ونقول أزهر الورد أو الشجر أو النبات، نَوّر وبرزت أزهاره. كما نقول: ازدهر الاقتصاد، وازدهرت التجارة، وهكذا، ويعني ذلك أي الازدهار: النمو أو التقدم أو التطور، أو الإشراق، أو التلألؤ، أو بلوغ ذروة النجاح والمجد والاكتمال. ونقول أيضاً: زهرة العمر، وزهرة الدنيا، وزهرية أو مزهرية، والأزهران وهما الشمس والقمر. وتوصف فاطمة بنت الرسول بالزهراء للونها الأبيض الصافي المشرق والمضيء. اضافة اعلان
سحرت الأزهار - والورد جزء منها – البشرية منذ أقدم العصور: لوناً وشكلاً وعطراً وأنواعاً، والدليل عليه احتفاء الأقدمين بها كرمز للحياة والجمال والعطر، ومصدرٍ للدواء والعلاج. وكان الناس يستخدمونها في المناسبات والاحتفالات. كما كان الملوك والأباطرة الأوائل يؤلفون تيجانهم منها، وكانت الزهرة وبخاصة الوردة تمثل نموذجاً أو توأماً للروح. وكان لكل لون منها معناه الخاص، فاللون الأصفر أو البرتقالي رمز للشمس، والأحمر رمز للحياة والعاطفة، والأزرق للمستقبل...
أما الوردة منها فكان لها - زيادة على ذلك - وضع خاص، وهو الرمز للجمال، والحب، والسرية، والدم، والحياة، والموت والتجدد وتحميها الأشواك. وقد قدسها الإغريق لأنها ترمز إلى أفرودايت (فينوس) إلهة الجمال، وأنها نبتت من دم أدونيس عشيقها، وأن كيوبيد - إله الحب - وابن أفرودايت حسب معظم الأساطير رشا الإله الإغريقي هاربوقريطس بوردة بيضاء ليحافظ على السر، وتحول نتيجة لذلك إلى إله للصمت.
وقد انتقلت هذه الدلالة إلى المسيحية، فكانت الوردة ترسم على كرسي الاعتراف، وتنقش على سقوف قاعات الاجتماع لتحذير الحضور أن النقاش يتم تحت الوردة أي أنه سري. وحسب التقاليد المسيحية فإن ورد الجنة بلا أشواك.
وبعد سقوط آدم من الجنة صارت الأشواك في المسيحية تستخدم للتذكير بهذه الكارثة. كما كانت تربط بين الوردة البيضاء وماري العذراء ( أُم المسيح). أما الوردة الحمراء فقد كانت رمزاً لدم المسيح والقيامة.
وفي الإسلام كانت الوردة تمثل جمال الرسول وولديه. وورود بغداد تمثل القانون والطريق والمعرفة، ورمزا للحقيقة. أما الماسونية فكانت تحتفي بثلاث وردات: واحدة تمثل النور، والثانية تمثل المحبة، والثالثة تمثل الحياة.
وبمناسبة هذا الحديث نتذكر حرب الوردتين في الصراع على العرش في انكلترا: بين وردة لانكستر الحمراء ووردة يورك البيضاء التي استمرت ثلاثين سنة (1455 – 1485).
أما الزنابق والسواسن وعباد الشمس فقد احتلت مقاماً مركزياً في تقدير المجتمع الشرقي، وبخاصة في الصين واليابان باعتبارها رمزاً للنور والأمل، أو رمزاً للنقاء والكمال والرحمة والجلالة.
لكن الزنبقة السيفية - أي وذات الورقة التي تشبه السيف - كانت ترمز لأحزان العذراء. وحسب أساطير مسيحية أنها نمت من دموع حواء بكاء على مفارقة جنة عدن.
وفي الأيقونية المسيحية ارتبطت الزنبقة بالعذراء وبالملاك جبريل الذي كان يُصوّر حاملاً الزنبقة وهو يعلن البشارة بالمسيح. كما كان المسيح يصور –أحياناً- كقاضي للعالم بزنبقة في فمه.
أما زهرة عباد الشمس فكانت ترمز إلى محبة الله والصلاة والطاعة النسكية لأنها تدور مع دورة الشمس. وفي الصين إلى طول العمر والنبالة. وفي اليابان إلى الشمس. وهي زهرة اليابان القومية الماثلة على العلم الياباني. أما زهرة الخشخاش فكانت ترمز إلى الحياة والموت أو النوم والتذكر.
لقد ألهمت الزهور والورود الشعراء والفنانين على مر العصور ، وصار للأزهار في كل ثقافة لغة خاصة بها تتجلى في مناسباتها واحتفالاتها. وفي اليابان - بوجه خاص - قد لا تتزوج الفتاة إذا لم تكن قد أتقنت تنسيق الزهور لوناً وعدداً وطولاً وقصراً وإناءً.
أسوق هذه المقدمة المختصرة لأدعو إلى تبني عادة اقتناء الزهور في كل بيت وفي كل مكتب، فهي مصدر قوى للصحة النفسية والاجتماعية بالمناخ الذي تشيعه في المكان. إن النفس تنشرح برؤيتها، وتعطي فكرة إيجابية فورية عن صاحبها. وعليه أتمنى تعاقد كل بيت وكل مكتب مع دكان للأزهار لملء المزهرية بها دورياً، وتوزيع الأزهار التي تُهدى للمرضى في المستشفيات على الزوار بدلاً من تركها على الباب تذبل وتموت، وإلا انقرضت تلك الزراعة واختفت أزهار القطف.
لعله يمكن تفسير توتر النفس المسلمة وعدوانيتها السريعة بالهوة الواسعة بينها وبين الأزهار والفنون جميعاً وتفضيلها الحمص والفول والفلافل.. والعنف عليها، فنحن نعلن عن حبنا للأزهار بالأغاني والأشعار ولكننا لا نقتنيها في المكاتب والديار.