"الأسد الملك".. تجربة حسية تفيض بدروس من التاريخ

Untitled-1
Untitled-1
إسراء الردايدة عمان- بتقنية أكثر تطورا وأقرب للحقيقة، تقدم "ديزني" النسخة الحية الجديدة بفيلم "الأسد الملك"؛ إذ تعيدها بعد النسخة الكرتونية الأصلية التي أطلقتها في العام 1994. تتشابه النسخة الحديثة التي يخرجها جون فافرو، وهو نفسه الذي أخرج فيلم النسخة الجديدة من "ذا جانغل بوك" الحية، بتقنية CGI مشمولة، وهي نفسها التي استخدمت في النسخة الجديدة من فيلم "الأسد الملك"، وكلاهما لم يخرج على نطاق القصة. دورة الحياة تنطلق مشاهد "الأسد الملك" الذي يعرض في تاج سينما، وأغنية الحيوانات الشهيرة CIRCLE OF LIFE؛ حيث يكون لكل فرد مكانه المحدد في دائرة مُحكمة، يؤدي خرقها إلى تدمير النظام الكوني. وهذا المفهوم يرتبط بالتراتبية التي تؤكد دور كل مخلوق، وإن تزعزع مكانها خلقت فوضى عارمة، وهنا هي تتمثل بمكان "سيمبا" ودوره بالقيادة، والملكية من بعد رحيل والده "موفاسا". أما القصة فلم تتغير أبدا، تتمحور حول سيمبا وولادته في "Land of Pride" أو أرض العزة؛ حيث يفقد والده "موفاسا" في سن مبكرة، بعد خداع عمه سكار له، وإيهامه بأنه السبب في مقتل موفاسا ليهرب سيمبا، ويختفي، لكنه يعود بعد سنوات حين يلتقي بنالا صديقته من الطفولة وتشجعه على العودة، ويخوض من جديد رحلة استعادة عرشه وانتصاره. والفيلم، حتى أول من أمس، حقق إيرادات عالية في شباك محققة 185 مليون دولار أميركي. وهو من بطولة: دونالد غلوفر، بيونسيه، جيمس إيرل جونز، سيث روغن، وشيواتال إيجيوفور، وآخرين. لماذا هذا النجاح؟ الأفلام التي تكون شخصياتها أقرب للحقيقة تصبح أكثر قربا للقلوب، وهو نهج اتبعته "ديزني" منذ أعوام مضت من خلال إعادة إحياء شخصياتها التي حققت نجاجا كبيرا. هذا النوع من الأفلام يشد الجمهور لأنه يخلق شعورا واقعيا، ويتيح للمشاهد أن يفكر فيما يراه، فهنالك أوقات في الفيلم من دون الموسيقى والحوار، ويتيح لك فقط سماع الأصوات الطبيعية ومشاهدة الأسود والزرافات والفيلة والطيور والقوارض والحشرات تتحرك من خلال الإطار، باستخدام الضوء بمهارة وتقنية CGI، لتخلق تأثيرا شعريا يختلف كثيرا عن الرسوم المتحركة القديمة، وتم تصميم جميع هذه الإعدادات داخل محرك لعبة، ثم قدمت كبيئات افتراضية، ما يضفي لمسة إنسانية واضحة على عالم يتم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر. ولجوء "ديزني" لهذه التنقية في أفلام مختلفة أعادت فيه تقديم أنجح أعمالها الكلاسيكية بنسخ حية من مثل "علاء الدين" و"الجميلة والوحش" و"سندريلا" و"الفيل دامبو" و"كريستوفر روبن" و"ذا جانغل بوك" و"ذا نات كراكر أند ذا فور ريالمز"، مرتبط بمنح الشخصیات مساحة أكبر؛ ارتبط هذا التوجه الذي انطلق من إعادة فیلم "كتاب الغابة"، واستعادة القصص الكلاسیكیة التي أحبها الجمهور في سعي للتوسع، فـ"دیزني" بتراثها الموسیقي والصوري تغیرت الیوم، فشخصیاتها لم تلق مساحة كافیة لصیاغة قصة عمیقة وتفكیك طبقاتها مثل "ألیس في بلاد العجائب"، وبفضل إعادة الشخصیات الحیة زاد التوسع بعد كل واحدة منها، كما في فیلم "Maleficent"، الذي غاص في أسباب ازدراء الساحرة الشریرة وما وراءها. التكنولوجیا تجعل التكنولوجيا الأفلام أكثر واقعیة، فعالم الرسوم المتحركة خیالي ورائع، ولكن الصور تبقى ذات جودة معینة، فیما الخیال والمؤثرات الرقمیة التي استخدمت في فیلم "كتاب الأدغال" أو "The Book Jungle" حولت نماذج القصص لأشیاء ملموسة أكثر مما تقدمه الرسوم المتحركة، وجعلت الشخصیات في كتاب الأدغال حقیقیة مثل الحیوانات في الغابة، وعرفت الجمهور بقصص الأمس. وجانب آخر هو الموسیقى، فتحقیق أفلام موسیقیة تغیر في جعلها ساحرة خاصة من خلال الشخصیات الحیة، فـ"دیزني" غالبا ما تقدم أغنیة ما من أفلامها، ویتم بناء الفیلم كوسیلة لتقدیم أغنیة لتحقق أرقاما كبیرة وتحصد جوائز، والیوم هذه الأغاني هي لحن یردده كل شخص بعیدا عن الشاشة ویسمعها، ما یعني أنها تحقق أرباحا أكبر، وترتبط الشخصیات الحیة بجعلها أكثر ترسیخا وتأثیرا. هذه الشخصیات التي نراها حقیقیة تحقق توازنا وتلغي الصورة السلبیة لبعض من شخصیاتها، وتتخلص من قیود الخرافات القدیمة كما في فیلم "أحدب نوتردام"، والتي تخرجها من دائرة الانتقاد والعنصریة؛ حیث من المتوقع أن تعید إنتاج 21 فیلما وستقدم تنوعا عرقیا لبطلات من مختلف أنحاء العالم لتحقق التوازن الذي تسعى له هولیوود الى جانب البطولات النسویة وعرض الكلاسیكیة للأجیال المقبلة في ظل هیمنة التكنولوجیة الرقمیة. لن یعرف الجیل الجدید متعة أفلام الرسوم المتحركة، وربما لن یشاهدوا تلك القصص التي لطالما عشقها الجمهور. ولهذا، وللحفاظ على تراث وإرث "دیزني" بصیغة حدیثة ظهرت هذه الإصدارات الجدیدة، لتعطي للجیل المقبل میزة في تقاسم إرث محفوظ بطریقة ممیزة، لغایة تمریر الشعلة جیلا بعد آخر. أحداث مستمدة من التاريخ يشابه "الأسد الملك" بأحداثه الصراع في مسرحية "هاملت" لشكسبير، فسيمبا وهاملت وجدا نفسيهما ضحية عم شرير يقدم على قتل أخيه ليستولي على الحكم. وفي مرحلة ما يرحل كلا البطلين عن مملكتهما، ولكنهما يعودان لاحقا لاستعادة حقهما الشرعي، في لحظة تنوير مشاهدة لحد كبير، ففي فيلم "ديزني" يرى سيمبا والده وهو يتكلم معه من بين الغيوم، مذكرا إياه بكل ما عمله، فيما هاملت يحلم بشبح أبيه في منتصف الليل بالقرب من أبواب القلعة كاشفا له وقائع مقتله. وتلك هي لحظات الصراع التي تعزز قوة الفيلم في كل مرة تشاهده، خاصة أنه مناسب لكل أفراد العائلة. الجانب الآخر هو فلسفة "هاكونا متاتا"، وهي فلسفة هندية تعني لا داعي للقلق أو المبالغة به خاصة حين يتعلق الأمر بأمور خارجة على سيطرتنا نحن البشر، ففيما نستهلك كثيرا من عقلنا وأفكارنا في التفكير والتحليل والانغماس في الحزن، وهي في حالة سيمبا لومه لنفسه على مقتل والده وهربه وعيشه في حالة من نكران الذات، لكن الفيلم يقدم درسا آخر. فيلم عائلي "الأسد الملك" فيلم عائلي لكل الأعمار، من خلاله يمكن تقديم عبر ودروس للأطفال، وحتى للأهل الذين تعلمهم قواعد حياتية بسيطة وعميقة في الوقت نفسه؛ من أبرزها: - الشجاعة لا تعني التهور والحد الفاصل بينهما خيط رفيع. - ثق بنفسك وسيأتي يوم لن يكون أمام الآخرين أي خيار سوى الإيمان بك. - الماضي قد يكون مؤلما، والطريقة التي تنظر بها للأمور هي خلاصك بين أن تهرب منه أو تتعلم منه. - الحب سيجد طريقه، في أي مكان نذهب اليه. - أي قصة تستحق أن تُروى هي القصة التي تستحق أن تُروى مرتين. - كلما تقدمت في الحياة، سترى أن هناك الكثير مما لا نفهمه. والشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن الأمور لا تسير على الدوام بالطريقة التي نخطط لها. ويبقى القول إن "الأسد الملك" تجربة حسية لا مثيل لها عبر تقديم تفاصيل دقيقة أشياء صغيرة مثل، حركة الفراء على ظهر الحيوان، أو سحابة من الغبار الذي يرتفع حين يضرب الجرو الصغير بمخلبه في دقيقة مذهلة، وتفاصيل أصيلة، هي كلها تفاصيل سيستمتع بها محبو النسخة الأصلية التي ظهرت قبل 25 عاما، في بعد واقعي أكبر وأكثر متعة.اضافة اعلان