الأصلُ طبق الصورة!

صورتُها كانت واضِحَةً، كأنَّها تجلِسُ أمامي في مقهى شبابيٍّ صاخبٍ. منذُ رأيتُها كتبتُ لها في عُلبَة المحادثَةِ الرفيعةِ:" أعرفُكِ من زمان أو هكذا أشعرُ، ربَّما التقيْنا قبل التقاط الصورة، فلم أعرفكِ لأنَّي شاهدتُ الأصلَ وحدَه". كتَبَتْ هي، وكانت صورتي مألوفةً لديْها كأنَّما رأتْها مئات المرَّاتِ في الصحيفة:"..وأنا أعرفُكَ من زمان، أو هكذا أظنُّ، ربَّما لم نلتقِ لأنِّي شاهدتُ الصورةَ وحدَها"! اضافة اعلان
توقَّفْنا عن الكلامِ المكتوبِ، وعُدْنا إلى قراءَةٍ صامتَةٍ للصوَرِ: صافيَةُ الوجهِ هيَ، فلا شعر زائد أسفَلَ الذقن، أو خدوش متقابلة على الخدَّيْن. ناعمُ المَلْمَسِ وجهها، يُمكنُ التأكد من ذلك بالتقاط الضوءِ بلمعة واحدة على "أرنبة" الأنف الحادَّةِ. أمعنتُ التدقيقَ ثانيَةً؛ إنَّها قريبَةُ الشبَهِ من نجْمَتي السينمائيَّةِ المفضَّلَةِ لولا أنَّي رأيتُها مرَّةً في بهو الفندق، بعد عرض فيلمها الأخير الذي لعبت فيه دورَ أميرة حبٍّ، مجرَّدَةً من الضوء واللمعان، فأحزنني رؤيَةُ الشعر الزائد، والخدوش القابلة للمحو!      
لكنَّ الفتاةَ التي حادَثَتْني مختلفةٌ تماماً، تبدو أطولَ من النجمَةِ السينمائيَّةِ القصيرَةِ، بحجم خنصر فتى بلَغَ مبكِّراً، وهي أيضاً فاتحةُ اللونِ؛ ففي صورةٍ وسطيَّةِ الالتقاطِ تكونُ بيضاءَ مثلَ حليبٍ ما مسه دنس أحمر، ولها فتحتا أنفٍ صغيرتان كتلك التي تتنفسُ منها سيدات خلقنَ على وجه الخصوص لواجهة المجتمع. أكتبُ لها من جديدٍ، لما أعتقدُ أني أمامَ امرأةٍ لا يمكنُ مصادفتها مرَّتين:" أريدُ لقاءكِ ولو لمرَّةٍ واحدةٍ"!   
وأنا لم أكُنْ أقلَّ إدهاشاً، كانت لي، كما كتبَتْ هي في رسالة خلويَّةٍ ليليَّةِ الوقتِ، طلةُ مغنٍ ملتزمٍ، ووسامةٌ تلقائيَّةٌ كتلكَ التي يظهرُ بها شبابٌ صغار على واجهات صالونات الحلاقة الرجالية. الوجهُ خالٍ تماماً من البثورِ المجهولةِ السبَبِ، والشعرُ الزائدُ على الخدين والصدغين وفوق الحاجبين.. لا منْبَتَ له، حلاقةُ الذقن باتجاه واحد وتضمنُ مظهراً رجولياً لا تخدشهُ نعومَةُ الملمس، حتى حينَ تختبرهُ أصابعُ الأنثى البالغة الرقة. كانت واثقة أني أكثرُ اكتمالاً، وما كان يُبطنُ تشككا سؤالها حين كتبَتْ في رسالة خلوية صباحية الوقت:"كم يزيدُ طولكَ عن المغنِّي الملتزم"؟!
وقالت إنَّ لي أهميَّةً لم تعرفها في رجل واقعي من قبل: إنْ ظهرتُ في صورةٍ مرتدياً لباسَ "كاجوال"، كنتُ، على عُهْدَتِها، رجُلَ أعمال في عطلة نهاية الأسبوع، وإنْ ارتديتُ اللباس الرسميِّ وفقَ خطوط الموضة الدقيقة، كنتُ بأهميَّة شخص تتمنَّى أي امرأة أنْ تصادفَهُ مرَّتيْن أنْ تكونَ "زوجَةَ رجلٍ مهم"، لمرَّةٍ واحدةٍ!
"لنلتقي"..؛ كانت رغبَةً متبادلةً كتبَتْها هي أو كتبتُها أنا. لستُ أذكرُ، المهم أنَّ موعدَنا بعد شهر من الآن، فأجريْنا ألفَ مكالمةٍ هاتفية، ومثلها محادثة مباشرة عبرَ قنوات "الدردشة" الكتابية، أعدنا تدويرَ الحوارِ أمام الصور، ومقارنَتِها في الأصل الذي لم يحدث بعد. قالت إنَّ كلَّ مَنْ رآها في الواقع من بعد الافتراض شاهدها أجمل (وقلتُ في سرِّي: هل هناك ما هو أجمل). وقلتُ إنَّ مَنْ رأينَني في الافتراضِ، ثمَّ في الواقعِ، قلنَ إنَّ فيَّ سرا لا يبلغه الخيال!
مشيتُ إليها. كنتُ مضطربا، في كلِّ وسيلة نقل ركبتها. أفتَحُ "الحاسوبَ المحمول" أتامَّلُ صورَها، أخشى أنْ..، لكنني أتوقفُ عن التفكير الأسود، وأملأ قلبي بالأمل الذي تتحلى به وهي تنتظرني كلما تخطيتُ محطةً. وصلتُ واستقبلتني، تأملنا بعضنا لنتأكَّدَ من مطابقة الأصل للصورة..؛ حدث هذا مرَّةً واحدةً فقط، إذ كان الأمرُ محرجاً للغاية في غياب "الفووتشوب"!

[email protected]