الأصولية السلفية والمشروع الإيراني

في مقال سابق حول إيران الدولة -وليس الشعب أو المذهب- بنظامها القائم، وقيادتها الحالية، ومشروعها الذي يسعى إلى نشر التشيع بين السُنّة والتدخل في شؤون الدول الأخرى، اعتبرتُ أن خطر إيران أكبر من خطر إسرائيل، نظراً إلى أن خطر المشروع الإيراني ملتبس، تضرب جذوره في أحشاء الأمة الإسلامية الواحدة، ويستند إلى فتنة منذ مئات السنين ما تزال بقاياها تحت الرماد؛ وأن إيقاد هذه الفتنة سيبقيها حية بين المسلمين ما دام الإسلام قائماً. بينما الخطر الإسرائيلي هو خطر خارجي، غير ملتبس علينا، ونعرفه جميعاً حق المعرفة، ونقف منه موقفاً موحداً دونما أي اختلاف بيننا؛ عرباً أو مسلمين.اضافة اعلان
لكن النظام الإيراني بمشروعه المذهبي والتبشيري ليس وحده الأخطر من المشروع الإسرائيلي. فمثله في الخطر، أيضاً، الأصولية السلفية من أهل السُنّة، والتي تكفّر من بين من تكفّر من المسلمين أبناء الطائفة الشيعية. فالأصولية السلفية التكفيرية، من مثل "القاعدة" بمختلف مسمياتها ومن هم في صفها، تفرق بين المسلمين، وتكفّر بعضهم، وتدعو للقتل، وتحرك فتنة لا تنتهي، وتديم انقسام الأمة على بعضها استمراراً لما انقسمت عليه في الماضي، وأوصلها إلى الحال التي هي فيه.
فالراجح بشأن الفتنة أن الخلاف بين المسلمين بدأ بسبب الاختلاف السياسي حول الخلافة، وانفجر إلى قتال عندما استبدت عصبة أموية بأمور المسلمين في أواخر عهد الخليفة الثالث، عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثم شرع كل طرف في توظيف الدين لتأييد رأيه وإسناد موقفه. ولما انتهت دولة بني أمية، وعادت الخلافة إلى آل البيت، جاءت الخلافة للعباسيين أحفاد العباس ابن عبدالمطلب، رضي الله عنه، الذين حاصروا أبناء عمومتهم أحفاد علي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، ونكلوا بهم وقتلوا بعض رموزهم. وانقسم آل البيت وانقسم اتباعهم من خلفهم، بين عباسيين وعلويين. وكان ذلك إيذاناً بانقسام شيعة آل البيت وتفرقهم في طوائف ومذاهب شتى.
احتدام الخلاف السياسي بين الشيعة، واستمرار دخول الرأي الشرعي على خط السياسة، وكذلك الشعوبية التي نمت وبلغت ذروتها في العصر العباسي، وخاصة بين العرب والفرس؛ كل ذلك أدى إلى تشظي الحركة الشيعية. وقد أسرف البعض في إطلاق اسم الشيعة على فرق خرجت عن التشيع والإسلام معاً، وراق لهم إدراجها في عداد الشيعة لمصلحة لهم في ذلك.
لكن الخلاف السياسي، والتوظيف السياسي للدين، والشعوبية، فعلت في أهل السُنّة والجماعة التي تشكلت في عهد بني أمية، في الأربعين من الهجرة، ما فعلته في أهل الشيعة أيضاً من تطرف وتشظ سياسي ومذهبي. وظهرت بين السُنّة أفكار ومذاهب أصولية وسلفية متطرفة، تعادي المذهب الشيعي بكل أطيافه وأتباعه، وتقول بخروج غالبية الشيعة عن صحيح الدين؛ وكأن صحيح الدين أمر متفق عليه، أو كأن من يرون صحيح الدين في مذهبهم أياً كان يملكون دون غيرهم مطلق الحقيقة وعصمة الرأي.
دعونا نحيا بسلام مسلمين شيعة وسُنّة. لا لنشر التشيع بين أهل السُنّة، ولا لتكفير الشيعة من قبل متطرفي السلفية الأصولية. فليس فينا من هو شيعي أو سُنّي بصحيح خياره، وإنما بالتبعية لأهله وبالولادة. ولا لسعي مذهب ضد آخر، ففي ذلك إضعاف للأمة؛ في فكرها وجسدها، وفتنة لا تنتهي يستفيد منها خصوم الأمة وأعداؤها الذين لا لبس في موقفنا الموحد من خصومتنا معهم، واتفاقنا على مقاومة شرورهم.

[email protected]