الأطفال اللقطاء ضحايا لا صوت لهم

رسم تعبيري لطفل لقيط تلاحقه المعاناة مدى الحياة بريشة الزميل إحسان حلمي - (الغد)
رسم تعبيري لطفل لقيط تلاحقه المعاناة مدى الحياة بريشة الزميل إحسان حلمي - (الغد)

تحقيق: نادين النمري

عمان- "ابحث عنها بين كل نساء الكون، أتأمل ملامح المارة في الشوارع، لأجد امرأة تشبهها، فقد تكون تلك هي أمي"، بهذه الكلمات عبرت حلا (اسم مستعار) عن مشاعرها تجاه والدتها، التي لم تعرفها يوما.
أدركت حلا حقيقة أنها مجهولة الاب والأم، عندما كانت في سن 15، شكلت هذه المعلومة صدمة كبيرة لها، تقول: "حاولت أن أجد تفسيرات كثيرة لقرار والدتي التخلي عني، مهما كانت ظروفها، قد تكون عانت لفترة قصيرة خلال الحمل، وبعد ولادتي، لكني بالنهاية، أنا التي تحملت وزر قرارها طوال حياتي، أنا اليوم بنظر من حولي لست سوى لقيطة".
وتتابع: "لا تهمني معرفة هوية والدي، لكن في كثير من الأحيان، تنتابني مشاعر متناقضة تجاه والدتي، أحيانا أشعر أني قادرة على الصفح، وأني بحاجة لحضنها، وأحيانا أخرى اشعر بغضب شديد، ولا أهتم بمعرفة هويتها، ربما في حال تمكنت من إنجاز شيء في المستقبل، سيقول الجميع أن حلا فعلت ذلك وليس ابنة فلان".
خلال سنوات طفولتها عاشت حلا في كنف أسرة بديلة، لكن مع بداية سن المراهقة، أنهت الأسرة الاحتضان. تعيش حلا حاليا في إحدى دور رعاية الأطفال، فاقدي السند الأسري، وتمكنت من تحقيق معدل جيد جدا، في الصف الأول الثانوي، وتستعد العام المقبل لتقديم امتحان الثانوية العامة.  تأمل أن تتمكن من دخول الجامعة والخروج بشهادة تدخل بها سوق العمل، كما أنها لا تبدي أي رغبة في الزواج وتكوين أسرة.
وفي وقت تعد هوية والديها أمرا يشغل بال حلا في كثير من الأحيان، لكن الأمر يختلف بالنسبة لهيثم. ولعل الاختلاف بينهما، أن هيثم حظي بفرصة احتضان من قبل عائلة محبة، عوضته عن مشاعر الأمومة والأبوة التي احتاجها في مراحل طفولته.
يبين هيثم "عرفت اني طفل محتضن بعد وفاة امي، التي احتضنتني، بأشهر قليلة، كنت أبلغ من العمر حينها 18 عاما، شكل الأمر لي في البداية صدمة كبيرة، كنت اعلم أن اسمي الرباعي يختلف عن اسم والدي، لكن غالبا ما كان والدي يفسر الأمر بأنه خطأ من قبل موظف الاحوال المدنية، وانه لم يتمكن من تصويبه لاحقا".
ويتابع "تمكنت من تجاوز الأزمة خلال فترة قصيرة، لعل فقداني لوالدتي بالاحتضان ساهم في تقليل صدمة إخفاء هويتي.
وينهي هيثم حديثه المقتضب بجملة مختصرة: "لا احب ان افكر في الظروف التي دفعت أسرتي البيولوجية للتخلي عني، ولا يهمني أن اعرف عنهما أي شيء، بالنسبة لي هم لا شيء".
عشرات الحالات كل عام
وفي وقت تؤكد فيه مصادر أمنية، أن حالات العثور على أطفال لقطاء محدودة جدا، أظهرت أرقام رسمية، ان نحو 20 % من هؤلاء الرضع، يلقون حتفهم، نتيجة لطريقة التخلي عنهم من قبل ذويهم.
بحسب أرقام رسمية، حصلت عليها "الغد"، بلغ عدد اللقطاء، حديثي الولادة، الذين تم العثور عليهم العام الماضي 26 رضيعا، خمسة منهم كانوا متوفين. فيما تم خلال الأشهر الثلاثة الاولى من العام الحالي، تسجيل 5 حالات، آخرها كانت لرضيعين تم العثور على جثتيهما، من قبل طفل يعمل بنبش النفايات، في وقت يتمتع به الاطفال الثلاثة الآخرون، بصحة جيدة، ويتواجدون حاليا في مؤسسة الحسين الاجتماعية، التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
يقول الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط "يتراوح عدد الأطفال اللقطاء الذين يدخلون لمؤسسة الحسين الاجتماعية ما بين 20 الى 30 طفلا سنويا، غالبيتهم من الاطفال حديثي الولادة، وتتراوح أعمارهم عند العثور عليهم ما بين ساعات وعدة أيام".
ويتابع: "يتم تحويل هؤلاء الاطفال الى المؤسسة، عن طريق الجهات الأمنية المختصة، بعد أن يكون الطفل تلقى العلاج اللازم في مستشفيات وزارة الصحة. عند العثور عليهم غالبا ما يعاني هؤلاء الاطفال من جفاف، نقص بالتغذية والبرد، في حالات أخرى يتعرضون لجروح خطرة، وتشوهات نتيجة لقضمات القوارض".
قبل عدة أعوام، فقد طفل لقيط أنفه، وأجزاء من أذنيه، بعد هجوم للجرذان على جسده الصغير. خلال فترة إقامته في مؤسسة الحسين خضع لجراحات تجميلية، بعدها حظي الطفل بفرص احتضان من قبل أسرة بديلة، استكمل علاجه معها، وحاليا يعيش حياة طبيعية.
كما سجلت قبل ثلاثة أعوام حالة لطفلة لقيطة، تم التخلي عنها أمام مستشفى البشير. ظروف الولادة غير الصحية، وبقاؤها دون رعاية لفترة من الزمن، تسببا بحصول حالة من الاستسقاء الدماغي لديها، نتج عنها لاحقا شلل دماغي. تقيم الطفلة التي نشرت "الغد" قصتها سابقا، في دار المحبة في الرصيفة، التابعة لإرسالية راهبات المحبة، والتي تعنى برعاية الأطفال فاقدي السند الأسري من ذوي الإعاقة.
ظروف قاسية يترك بها هؤلاء الأطفال. يقول الرطروط "غالبا ما يترك الطفل بكرتونة، ويكون ملفوفا بغطاء، دون أي ملابس أو غذاء. في كثير من الاحيان يتم العثور على رسالة مختصرة، مع الطفل، تحوي رموزا أو أسماء، وأحيانا أخرى رسومات، هذه الرسائل لا يفهمها سوى من كتبها".
ويتابع: "يتم توثيق كل الأشياء التي وجدت مع الطفل، لحظة العثور عليه، ويتم التحفظ عليها، وتعد دليلا على هوية الطفل في حال عودة الأسرة البيولوجية، للمطالبة به، غالبا ما يتم العثور على هؤلاء الاطفال في الشوارع العامة، امام المنازل، دور العبادة، الحدائق العامة، المستشفيات، وللأسف في أحيان أخرى قرب حاويات النفايات او بداخلها".
نادرا ما تعود الاسرة للمطالبة بطفلها، بحسب الوزارة، و"الحالات التي تم تسجيلها لدى الوزارة قليلة جدا، ورغم ذلك يتم تخصيص فترة ثلاثة أشهر، يبقى الطفل بها في المؤسسة، لحين التأكد من عدم رغبة اسرته البيولوجية باستعادته، بعد ذلك يتم تحضينه الى أسرة بديلة، عن طريق برنامج الاحتضان، الذي تعمل به الوزارة منذ ستينيات القرن الماضي".
ويوضح الرطروط: "رغم ان هناك سمات عامة لحالات الاطفال اللقطاء، لكن بالطبع يوجد استثناءات، فخلال السنوات الماضية، تم تسجيل اكثر من واقعة عثور على طفل لقيط، كانت اعمارهم تتراوح بين تسعة شهور وعامين ونصف، أي أن ليس جميعهم من حديثي الولادة، كذلك هناك حالات لمسنا بها اهتماما بالطفل، لجهة وضعه في مهد متحرك، بكامل ملابسه، وبجانبه حقيبة، تحتوى على احتياجاته من حليب وملابس وفوط".
يلاحقهم انطباع سلبي قاس
ويلاحق مثل هؤلاء الاطفال اللقطاء انطباع "خاطئ" في المجتمع، مفاده ان هؤلاء الاطفال هم نتاج علاقات خارج إطار الزواج.
يقول الرطروط، في هذا السياق "لا نستطيع التعميم، رغم محدودية الحالات التي تم بها اكتشاف هوية والدي الطفل، لكن تبين في عدد منها أن الطفل ينتمي الى عائلة حقيقية، بعض الحالات تم بها التخلي عن الطفل نتيجة لمرضه، او نتيجة للفقر أو الخلافات الاسرية".
مطلع العام 2012 تم العثور على طفلة، قدر عمرها حينها بعام واحد، بعد نحو اسبوعين تمكنت الجهات الامنية من العثور على والديها. تبين بعد التحقيق أن خلافات أسرية وقعت بين الأب، أردني الجنسية، والأم، الشرق آسيوية، وبعد قرار الام بالعودة الى بلدها، وعدم رغبة الزوج في رعاية الطفلة، قرر تركها في احد الشوارع شرقي العاصمة عمان. تم حبس الأب بتهمة هجران طفل دون سن 15 وتعريض حياته للخطر.
في العام ذاته، تم العثور على طفلين شقيقين، احدهما عمره عامان، والثاني ثلاثة، في منطقة اليادودة جنوب عمان، كان الوضع الصحي والنفسي للطفلين سيئا جدا، لم يتمكن الشقيق الأكبر من اعطاء معلومات كافية عنهما، باستثناء الاسمين الاولين لكليهما. أظهرت نتائج التقييم النفسي للطفلين أنهما كانا يعيشان بحالة من الإهمال الشديد، ويعانيان ضعفا في المهارات جراء هذا الإهمال.
رغم مرور ثلاث سنوات، لم يطالب بالطفلين أي من ذويهم، كما لم تتمكن الجهات الامنية من العثور على أسرتهما، رغم ترشيح الطفلين لبرنامج الاسر البديلة، لكن أيا من العائلات المتقدمة للبرنامج، لم ترغب باحتضان أطفال بهذه السن، إذ تفضل غالبية الاسر رعاية أطفال في الشهور الاولى من عمرهم.
الإفتاء: لا يجوز اعتبار اللقيط نتاج عمل خاطئ
بحسب فتوى صادرة عن دائرة الافتاء، "لا يجوز أن نفترض في أي من هؤلاء الأطفال (اللقطاء)/ أنه نتيجة عمل خاطئ، فظروف الناس كثيرة، ومن لا يُعرف له أب أو أم، فهو بريء يجب أن يُحترم، حتى لو ثبت خطأ أبويه، فإن الله تعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)".
ووفقا للفتوى فـ"كل إنسان يولد بريء الذمة، وله صفحة بيضاء عند الله تعالى، لا يسجل فيها إلا ما يعمله بعد البلوغ، وهؤلاء الأطفال هم براء- بكل معنى الكلمة-، ويجب معاملتهم بالحسنى كما يعامل كل الأطفال".
وحول رعاية اللقيط او الانفاق عليه، فبحسب الفتوى، فانه "من ليس له معيل معين، ينفق عليه، تجب نفقته على المجتمع بشكل عام، سواء قامت بذلك الدولة من مال الخزينة، أو قام به أبناء المجتمع، وإذا أهملوا النفقة فإن المجتمع كله يقع في الإثم، لذا فإن قيام جمعية أو أفراد برعايتهم هو قيام بفرض كفاية، يرفع الحرج عن المجتمع كله".
وبينت انه "لا فرق بين هؤلاء الأطفال وبقية الأيتام، من حيث ثواب الإنفاق عليهم، وثواب رعايتهم، وكلنا يحفظ الحديث الشريف: (أنا وكافل اليتيم في الجنة) ويجوز إعطاء القائمين على رعاية هؤلاء الأطفال من أموال الزكاة والصدقات، إذ يعتبر القائمون على رعايتهم وكلاء عن المزكي، والمتصدق، في إيصال الزكاة إلى مستحقيها".
وبخصوص برنامج الاحتضان المخصص للأطفال فاقدي السند الاسري، قالت الفتوى إن "الإحسان إليهم واجب على المجتمع، والذين يقومون بحضانتهم يقومون بفرض كفاية عن المسلمين، يثابون عليه ثواب كفالة اليتيم".
من جانب آخر، فإن شروط الاحتضان في وزارة التنمية الاجتماعية تنطبق على الاطفال مجهولي الآباء والامهات، والاحتضان يعد بحسب الوزارة الطريقة الأنسب لتوفير الرعاية الاسرية للأطفال.
ومنذ تأسيس برنامج للاحتضان العام 1967 في وزارة التنمية الاجتماعية، تم تحضين نحو 1150 طفلا لأسر بديلة.
هجران الطفل جريمة يعاقب عليها القانون
يصف مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى منظمات الأمم المتحدة في الوقاية من العنف د.هاني جهشان الأطفال المتخلى عنهم، بـ"الضحايا الذين لا صوت لهم"، ويقول:  "جرائم هجر الطفل بتركه حيا في مكان ما" من قبل أمهات وآباء، لا تميزهم صفات شخصية أو سمات جرمية محددة، ويتم ترك الطفل في أماكن تتفاوت في تصنيفها، من أنها "آمنة نسبيا"، مثل أماكن العبادة أو بوابة دار رعاية اجتماعية أو في مستشفى، إلى أماكن يشكل ترك الطفل بها بحد ذاته مخاطرة كبيرة على حياته، كحاويات النفايات أو المراحيض العامة، أو أماكن مفتوحة كقارعة الطريق في ظروف قد تعرض الطفل للبرد أو للحر الشديد، ولمخاطر الأمراض المعدية والوفاة.
تجرم المادة 289 من قانون العقوبات "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره، دون سبب مشروع او معقول، ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، او على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته، (حيث) يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره".
كما نصت المادة 288 على أن "من أودع قاصراً مأوى اللقطاء، وكتم هويته، وهو يعلم بأنه مقيدٌ في سجل الأحوال المدنية مولوداً غير شرعي، معترف به، أو مولوداً شرعياً، عوقب بالحبس مدة سنتين على الأقل ".
ويلفت جهشان الى الخطورة الأكبر، في قضية الاطفال اللقطاء، ان هناك أطفالا غير مرغوب فيهم، يتم التخلص منهم، ليس بوضعهم في أماكن عامة أو خطرة، وإنما بقتلهم عمدا، أو بإهمالهم أو بعدم رعايتهم طبيا، وقد يتم دفنهم ودفن قصتهم معهم، من دون ضجة إعلامية، أما في حالة اكتشاف هذه الجرائم، فإنه ولعدة أسباب، يتم تخفيف العقوبة.
تنص المادة 331 من قانون العقوبات على: "إذا تسببت امرأة بفعل، أو ترك مقصود، في قتل وليدها، الذي لم يتجاوز السنة من عمره، على صورة تستلزم الحكم عليها بالإعدام، ولكن المحكمة اقتنعت بأنها حينما تسببت في الوفاة، لم تكن قد استعادت وعيها تماما من تأثير ولادة الولد، أو بسبب الرضاعة الناجم عن ولادته، تبدل عقوبة الإعدام بالاعتقال مدة لا تنقص عن خمس سنوات"، كما وخففت المادة 332 العقوبة كما يلي "تعاقب بالاعتقال مدة لا تنقص عن خمس سنوات، الوالدة التي تسببت - اتقاء للعار- بفعل او ترك مقصود في موت وليدها من السفاح عقب ولادته".
ويفسر جهشان اسباب التخلي عن الرضيع، "تتخلص الوالدة من وليدها بسبب اختلال ارتباطها الأمومي بالطفل، الذي يبدأ بحمل غير مرغوب فيه، كأن يكون ثمرة تعرضها للاغتصاب أو الاستغلال الجنسي أو ثمرة زنا، أو سفاح المحارم، أو تكون الزوجة كرهت زوجها كرها شديدا، بسبب فساده وانحراف أخلاقه أو إيذائه لها، أو بسبب معاناتها من مرض نفسي أو من مرض عضال، أو بسبب الفقر وضيق الحال وكثرة الأطفال، وقد يكون بسبب التخلص من الوليد لتجنب اقتسامه الإرث".
ويضيف "تشعر المرأة التي تفكر بالتخلص من جنينها أو وليدها أنها وحيدة في حالة عزلة، وأنه لا يوجد من يقدم لها العون، وتصارع ظروف نفسية وجسدية وإجتماعية تفوق طاقتها، تكون خلالها عاجزة عن مواجهة مشكلتها ومواجهة المجتمع المحيط بها، وتشعر أنها منبوذة وفي حالة إنكار لواقعها".
ويقول جهشان "بأي حال من الأحوال، معاناتها هذه لا تعتبر سببا أو مبررا لأن ترتكب جريمة بشعة، أو لأن تخفف عنها العقوبة".
الإجهاض ليس حلا
هل الإجهاض حل وبديل متاح للحد من مشكلة اللقطاء، كأسلوب وقاية من جريمة هجر الوليد؟ يقول جهشان "على الرغم من وجود جماعات تضغط باتجاه السماح بالإجهاض، وعدم تجريمه في المرحلة المبكرة من الحمل، وخاصة في حالات الاغتصاب والاستغلال الجنسي، أو الحمل خارج نطاق الزوجية، الا أن القانون الأردني، وبنصوص واضحة وجلية، لا يعتبر هذه الظروف داعيا لإجراء عملية الإجهاض، حيث إن الأساس الشرعي والقانوني أن أي اعتداء على الجنين هو محرم ومجرم".
ويتابع "السماح بالإجهاض لن يكون عامل وقاية، ولن يعالج جذور مشكلة الحمل غير المرغوب فيه، أو العنف الجنسي أو جذور مشكلة الزنا، فبالإضافة لكونه تدميرا لكائن بشري، وهو أمر محرم شرعا، والسماح به على الأغلب سيعطي انطباعا بالتراخي بالتعامل مع المشكلة، وقد يؤدي إلى تفاقمها".
تتفق المديرة التنفيذية لمجموعة الميزان لحقوق الإنسان، المحامية ايفا أبو حلاوة مع جهشان في الرأي، وتقول "الإجهاض ليس حلا، إنما تحطيم لحياة كائن بشري لا ذنب له، الأصل حماية حق هؤلاء الأطفال بالحياة، والالتزام بتوفير كافة حقوقهم كأي طفل أخر".
وترى ابو حلاوة أن التعامل مع هذه المسألة يتطلب تشديدا في تطبيق وإنفاذ البنود القانونية للجرائم المتعلقة بهجران الطفل الرضيع، أو التسبب بقتله نتيجة لظروف هجرانه. وتتابع "هناك مواد قانونية عدة تجرم التخلي عن الطفل الرضيع والطفل دون سن 15 عاما، لكن ليس هناك وعي لدى الرأي العام بوجود هذه المواد، من هنا أرى حاجة ماسة للتشدد في الملاحقة القانونية في هذه الحالات.
حلول مقترحة
إلى جانب انفاذ العقوبات القانونية، على مرتكبي جريمة التخلي عن طفل، يرى جهشان أن هناك أيضا حاجة ماسة لتعديل البنود القانونية، خصوصا تلك المتعلقة بتخفيف العقوبة على جريمة قتل الطفل الوليد من قبل والدته.
فيما تدعو أبو حلاوة أيضا إلى توفير مراكز ارشاد اسري، تتعامل مع حالات الخلافات الاسرية، وتوجيه الاسر حول آلية التعامل مع اطفالهم، في ظل هذه الظروف، فضلا عن التوعية بالصحة الانجابية للاسر. وتقول "هذه المراكز يفترض ان تساعد في الحد من نسب الأطفال المتخلى عنهم، أو الأطفال الذين يتم ايداعهم في دور الرعاية نتيجة للتفكك الاسري".
بحسب وزارة التنمية الاجتماعية، يشكل الأطفال ضحايا التفكك الاسري، نحو ثلث الأطفال في دور الرعاية، أي ما معدله 300 طفل من أصل ألف يستفيدون من الخدمات الإيوائية للأطفال فاقدي السند الاسري.
وتبين أبو حلاوة انه في حال كان الطفل نتاجا لاعتداء أو إساءة جنسية، فيفترض ان يتم توفير الخدمات للضحية، من خلال مركز خدمات متكامل، يوفر الحماية والدعم النفسي للأم والإرشاد لأسرة الضحية، وتوفير حلول آمنة للطفل في حال عدم رغبة الأم الاحتفاظ بحضانته.
وترى في برنامج الاحتضان وأسر الرعاية البديلة، الحل الافضل للأطفال فاقدي السند الأسري، لجهة الحفاظ على حقهم في النمو، ضمن أسر طبيعية، بدلا من العيش في ظل المؤسسات.
كما يلفت جهشان إلى أن يتوقع من الدولة أن توفر برامج الوقاية الأولية من العنف الجنسي، الواقع على الإناث والأطفال بكافة أشكاله، وقياس نجاح ذلك يتطلب فترات زمنية قد تصل إلى بضع سنوات، إلا أنه يجب البدء به بالحال، أما عند وقوع العنف الجنسي يتوقع من المؤسسات الحكومية أن توفر الاستجابة الطبية والطبية الشرعية المتكاملة للضحايا، بما في ذلك توفير عقار مانع الحمل، لما بعد الاتصال الجنسي.
ويتابع  أما الشق (الثاني) للحمل غير الشرعي الناتج عن أنشطة خارج نطاق الزوجية، فلا تكون المرأة به ضحية، وإنما مرتكبة لجريمة الزنا، فتكون المسؤولية الوقائية للدولة قائمة على التثقيف الجنسي، بشكل عام، وخاصة للطلبة، ما يحد بشكل كبير من الأنشطة التي قد تؤدي إلى حمل خارج نطاق الزوجية.
الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل
يعاني الأطفال "اللقطاء" من انتهاكات عدة لحقوقهم، التي كفلها لهم الدستور الاردني والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وتخالف الخطورة التي يتعرض لها الأطفال، نتيجة هجرانهم في اماكن غير آمنة، تعرضهم لخطر الموت، مع المادة السادسة من الاتفاقية التي تنص على ان "لكل طفل حقا اصيلا في الحياة وبقائه ونموه". كما تتعارض مع حق الطفل بالحصول على خدمات الرعاية الصحية.
كما يتناقض التخلي عن الطفل مع المادة الثامنة من الاتفاقية، التي تنص على احترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.
ويتعرض الأطفال اللقطاء كذلك الى تمييز، ووصمة مجتمعية، نتيجة لوضعهم المميز.
وترى أبو حلاوة أن هنالك مسؤولية على الدولة، في التعامل مع إشكالية التمييز الواقعة على الأطفال مجهولي الوالدين، لجهة ضرورة وضع بنود قانونية، تتضمن عقوبات على كل من يمارس التمييز ضد أي شخص، ولأي سبب كان، فضلا عن ضرورة تشكيل مؤسسة وطنية، تعنى بالتعامل مع مشكلة التمييز وإيجاد حلول لها.
وخصصت القوانين الوطنية، بنودا خاصة للتعامل مع الأطفال مجهولي الأم والأب، أبرزها قانون الاحوال المدنية.
 وقد خصص قانون الجنسية بندا خاصا لمجهولي الوالدين.  وبحسب المادة 3 من القانون "يعتبر أردني الجنسية، من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية، من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها، ما لم يثبت العكس".

اضافة اعلان

في ما يلي انفوجراف حول أبرز الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها الأطفال اللقطاء - (الغد)

[email protected]