الأطفال و"كولينز": من "لقنهم" هذا السلوك؟

مِن أبرز الانتقادات التي طالت إضراب المعلمين هو تأثيره المباشر على الطلبة الذين تضرروا جراء تنفيذه، وكان الرأي واضحا في هذا الاتجاه، خصوصا أنه تم الزج ببعضهم في "منازلة" لم يكونوا طرفا فيها، عبر تصويرهم في مشاهد فيديو بثت على مواقع التواصل الاجتماعي. والحديث هنا عن الطلبة سواء من أيّد منهم الإضراب أو من عارضه. المهمة الأساسية للطالب هو التفرغ للتحصيل العلمي، بعد أن تكون الدولة قد وفرت له كل سبل تحقيق ذلك، من بنية تحتية وكوادر تعليمية ماهرة قادرة على منحه معرفة بالتحليل والفهم، وليس من حق أي كان أن يحيد عن هذه المهمة لأي غاية كانت. الاحتجاج على منهاج "كولينز"، قد جنى ثماره بإعلان وزارة التربية عن تعديلات ستطال الكتب التي تم توزيعها حتى اليوم، وهي تعديلات طالب بها الأهالي والمختصون، بيدَ أن هذا الاحتجاج صاحبه أيضا مشاهدٌ لا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال، فليس من المنطق أن يكون الطلبةُ الأطفالُ جزءا من ذلك، حيث تصدر مشهد فيديو يظهرهم وهم يلقون الكتب على الأرض، بعد أن تم تلقينهم حديثا باتوا بسببه على قناعة تامة بأن هذا المنهاج ليس من ديننا وأنه منهاج "كافر"، وكأننا أمام صراع أيديولوجي سياسي لا يناسب أبدا هذه الفئة العمرية. ربما الطالبة التي ظهرت بفيديو في ساحة مدرسة تعلن رفضها للكتاب لا تدرك ماذا تقول، فهي لم تقرأه، ولم تدرس محتواه بعد، ولا تملك القدرة على تقييمه وإبداء الرأي به، فمن لقنها حديثها ذلك، وزرع في عقلها سياسة الرفض من أجل الرفض دون التفكر أو التمحيص أو القراءة! الأصل أن تكون المناهج مثالية بلا أخطاء، ولكن، بما أن الأخطاء وقعت، وتعهدت الجهات المعنية بتعديلها، فلا يجوز أن نحارب المنهاج لأننا نريد محاربته فقط، ونستخدم وسائل وأساليب وأدوات تتنافى وتخالف كل معايير حقوق الطفل المحلية والدولية، غير مدركين بأننا نكبّلُ عقولَ هذه الفئة ونسرقُ حقها في الحصول على تعليم محترم. طاقة كبيرة من الكراهية لهذه الكتب بثت من خلال فيديو صغير لا تتجاوز مدته 30 ثانية، وانتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي للطالبة وحولها زميلات لها ألقين كتبهن في ساحة المدرسة. الطالبات لا يتحملن مسؤولية ما فعلن، فهنّ ضحية فئة زرعت في عقولهن ضرورة التعبير بهذه الطريقة، ودفعتهن للتصريح بها على هذا النحو، وهو تعبير يعكس سلوكا قد يشكل خطورة على تكوين شخصية الطلبة لاحقا. تعليم الطلبة وتدريبهم على تبني لغة الحوار، هو الجانب المضيء في العملية التعليمية، حيث نكون بذلك قد وضعنا لبنات جيل قادر على تقبل الآخر مهما اختلف معه، وعارضه فكريا وسياسيا وثقافيا، وذلك انطلاقا من حقه في التعبير عن رأيه بحرية وصولا للمطالب المحقة له. حادثة الطالبات، ربما تكون سلوكا فرديا، لكن يجب أن لا تمر مرور الكرام، فعلى وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين الوقوف بكل حزم أمام هذا السلوك حتى لا يتحول إلى ظاهرة تربك التنشئة الحقيقية لأبنائنا وفرصهم في الحصول على علم يرفع من شأنهم ويصقل شخصيتهم المعرفية والوجودية.اضافة اعلان