الأعزل في كمائن عزلته.. 20 عاما من حضور البردوني وغيابنا

الشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني - (أرشيفية)
الشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني - (أرشيفية)
عمان - وافق أمس، 30 آب (أغسطس)، الذكرى العشرين لرحيل الشاعر والمفكر اليمني عبد الله البردوني (1928-1999)، الذي ترك وراءه إرثا استثنائيا في الأدب والثقافة ما يزال يملأ فراغا مهولا في المشهد الأدبي العربي، الذي يبدو عاجزا في أن ينجب بردّونيا آخر! بهذه المناسبة، وبالإشارة إلى حرب اليمن التي أكلت الأخضر واليابس، بدا لافتا غياب صوت المثقف والشاعر في مجابهة آلة الحرب، إذ عطّلت الأطراف المتصارعة هذا الصوت؛ ما يستدعي إلى الذاكرة البردوني شاعرا ومفكِّرا وموقفا؛ البردوني الذي قالت قصيدته كل شيء تقريبا، وذهبت لتستحمّ بماء الغياب. مؤخرا، أطلق مثقفون وأدباء يمنيون نداءات إلى اليونسكو لتخصيص يوم الثلاثين من آب من كل عام يوما عالميا للاحتفاء بعبد الله البردوني، اعترافا بمنجزه، وانطلاقا من مكانة البردوني الذي لا ينتمي أدبه ومنجزه الفكري لليمن وحدها، إنما للإبداع العربي وللإنسانية المؤمنة بقيم الجمال وبفاعلية الكلمة. من بين هذه المناشدات، نداء وجهه الشاعر محمد القعود -رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، فرع صنعاء- قبل أيام في صفحته على فيسبوك، طالب فيه بتخصيص يوم 30 آب(أغسطس) للاحتفاء بالشاعر والمفكر عبد الله البردوني. في شهادة مقتضبة عن عبد الله البردوني، أو ما أسماه بـ"الأعزل في كمائن عزلته"، قال الناقد العراقي حاتم الصكر -الذي عمل أستاذا للأدب والنقد في جامعة صنعاء لسنوات- إن عبد الله البردوني اعتزل عالمنا حيا قبل أن يعتزله مطمئنا في قبره. ويشير الصكر إلى زهد البردوني البالغ بوصفه جزءا من رؤيته للحياة والعالم والشعر، أما رؤيته فهي "متقدمة تقترب من الحداثة التي ظل على إيمان بها رغم حفاظه على شكل القصيدة التقليدي، أي المحافظ على تقاليد فنية مستقرة ومتداولة. حتى عماه لم يكن يمثل له إلا حاجزا عن عالم لم يرد أن يكون أحد شهوده المزورين". وقال الصكر للجزيرة نت إن البردوني لم يغره بهرج الضوء بسبب عماه، ولم يحتجب خلف نظارات، كما أن بصيرته تسخر من ضوء عالم المبصرين، لافتا إلى أن الراحل اكتفى برؤية تتجاوز النظر الهش، فعلٌ لخَّصه بقوله "يرى بالسمع قلبُ الكفيف" أي عبر صلة قلبية خاصة؛ فكان رائيا يتجاوز الخارج بشرا وأمكنة ومؤسسات. لا يرى الصكر أن البردوني كان يعاني من ظلم فيما يخص إبداعه الشعري، لكنه قال إنه ربما ناله الغبن كشخص لا كقصيدة، بسبب عزلته: "لقد أخذ مداه اليمني والعربي. لم يقترب من سلطة أو حزب أو جماعة، لكنه ضمن قراءه وجمهوره والمنفذ الذي ينسرب منه شعره بسلاسة ويسر. قصيدته نالت نصيبها من العرفان على مستوى القراءة أكاديميا ونقديا وجماهيريا". من جهته، قال الشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف إن "البردوني شاعر غير سعيد في أرض اليمن السعيد"، واستغرب لحالة الجفاء التي تعرض لها البردوني وندرة توزيع أعماله عربيا، قائلا إن شعره -باستثناء اليمن وبعض الدول العربية القليلة- يكاد يكون غير معروف، إلا كاسم". وحمّل بوسريف اليمنيين المسؤولية في المقام الأول، وقال "هذا تقصير من اليمنيين أنفسهم، من مؤسسات اليمن، من الدولة التي كانت لا ترتاح لمواقف البردوني، وما قاله عن اليمن في شعره". الناقد اليمني مبخوت العزي الوصابي أستاذ اللغة العربية الدارس لشعر البردوني، قال للجزيرة نت إن الأديب اليمني مهما كان عظيما واستثنائيا كالبردوني فإن إشعاعه يبقى محليا، على غرار باقي مواطنين الذين تعرضوا لما سماه "ظلم الإنسان وظلم الجغرافيا"، مما أبقى اليمن معزولا عن محيطه العربي والإسلامي. وعن تخصيص يوم عالمي للبردوني، يعتقد الباحث والكاتب اليمني صفوان الشويطر أن ذلك يرتبط بمعايير ومحددات اليونسكو، مشيرا إلى أن هناك كثيرا من أعلام الأدب والثقافة لم تخصص لهم اليونسكو يوم احتفاء، وهذا شيء طبيعي لا يمثل أي غبن أو ظلم. ويقرّ الشويطر بأن البردوني -وهو في نظره آخر الكلاسيكيين الكبار الذين جددوا القصيدة العمودية وضخوا دماء جديدة فيها- لا يزال ينقصه الكثير من الانتشار، خارجيا لأنه أعماله لم تترجم بشكل كبير. ويرى أن إنصاف الراحل يبدأ بطبع أعماله غير المنشورة وتفريغ حلقات البرنامج الإذاعي "واحة الفكر والأدب" -الذي ظل يكتبه عقودا- في كتاب، وطباعة كتبه ومؤلفاته إجمالا، وحل التنازع الحاصل بين ورثته، في إشارة إلى مخطوطات البردوني من الدواوين الشعرية التي لم ترَ النور بسبب خلاف بين ورثته وأقربائه. – (الجزيرة نت)اضافة اعلان