الأغلبية التي تجهل "أغلبيتها"

مالك العثامنة (الغالبية العظمى من الأردنيين (87 %) لا يعرفون عن قانون الأحزاب الجديد الذي تم إقراره حديثاً، وفقط (13 %) أفادوا بأنهم سمعوا أو عرفوا عنه). هذه العبارة بالنص هي أول استهلال لنتائج استطلاع الرأي الذي أعده مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية وتم إصداره قبل أيام، وقد جرى الاستطلاع في شهر آب (أغسطس) الحالي. نتائج الاستطلاع مهمة “وقد تكون صادمة بعد كل هذا الجهد الإصلاحي” وتعطي النتائج إشارات واضحة لغياب أهم عنصر في الدولة عن مجريات كل ما يحدث وهو عنصر “المواطن”، ولعل النتيجة الأولى المذكورة أعلاه- على سلبيتها- إلا أنها تؤشر إلى خلل واضح عنوانه غياب الأغلبية، وفي مراجعة باقي النتائج فإن كل هذا الغياب للمواطنين عن معظم المجريات والأحداث التي تتعلق بحياتهم ومعيشتهم أساسها غياب المعلومة عنهم، واستقاؤها من غير مصادرها السليمة، لأن مصادرها السليمة غائبة أو عاجزة عن الوصول إليهم وفي الأغلب “قاصرة”. تقول ذات نتائج الاستطلاع الصادر عن مؤسسة أكاديمية متخصصة ومحكمة بمنهجيتها الصارمة أن: غالبية الأردنيين (53 %) يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي معظم الوقت للحصول/متابعة الأخبار المحلية، فيما يعتمد (36 %) منهم على التلفاز، و(3 %) على المواقع الإخبارية. تلك دائرة جهنمية من التيه، أليس كذلك؟ الاستطلاع المصاغ بدقة؛ أورد في صياغته عن الأردنيين عبارات مثل “يعتقد، يرى، يعرف ولا يعرف، يسمع ولم يسمع..” وهي مفردات واضحة وجودها مبني على تلقي المعلومة “صحيحة أو خاطئة أو مضللة” وحين نعلم مثلا أن الغالبية تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي ثم نعلم أن الأغلبية أيضا لا تعرف عن قانون الأحزاب، و 2 ٪ فقط يفكرون بالانضمام إلى أي حزب سياسي، و 8 ٪ فقط يتوقعون نجاح الحياة الحزبية، فنحن أمام كارثة “غياب” فادحة لمفهوم الدولة والمواطنة وهما أساس حضور أي حياة حزبية، وبعملية تفكيك وتركيب لما أوردته النتائج حول تلك الجزئية عن الأحزاب ومصادر المعلومة فإنه وببساطة نكتشف أن الأردني لا يكترث لكل الجهد الصحفي المحترف “على قلته في الأردن”، لكنه يتكل بخمول على وسائل التواصل الاجتماعي “والأغلبية تعتمد الفيسبوك” مما يعني أن أي جاهل وعابر للصفحة الزرقاء قادر على بث أي معلومة أو تضليل أو إشاعة وتعبئة الفراغ المعلوماتي الموجود أصلا، واعتماد أي محتوى كمعلومات يبني عليها الأردنيون معتقداتهم الوطنية لتنتهي إلى حقائق رقمية “غير صادمة لي على الأقل” في استطلاع المركز. ومن هنا حين نستمر بالتفكيك والتركيب الذهني للنتائج نجد مثلا أن غالبية الأردنيين (67 %) يعارضون مشاركة طلبة الجامعات في الأحزاب، و(33 %) فقط يؤيدونها، وهذا رقم مدهش “وغير صادم أيضا لمن يعرف واقعنا المجتمعي الحقيقي” ويورد المركز نفسه نتيجة للنتيجة الإحصائية بما نصه (الخوف من حدوث المشاكل والفتن والتفرقة من عوامل عدم تأييد مشاركة الطلبة في الأحزاب السياسية)! وهذا حصاد متراكم لتعبئة “غير واعية” استهدفت الوعي الجمعي الأردني طوال عقود طويلة غابت فيها مفاهيم الدولة والمؤسسات وأهمية القانون والدستور كناظم لكل تفاصيل الحياة، لننتهي بواقع جامعي مؤسف لا أكاديميا وحسب، بل اجتماعيا وفكريا والأخبار الواردة من حرم الجامعات مؤشر على غياب الوعي “المدني” فيها. الاستطلاع مهم، وهو جهد عظيم لمركز عريق يعتمد الأرقام والمنهجية العلمية التي لا تجامل، والنتائج ضرورية وهي إنذار شديد اللهجة لسد الفجوات والتحرك “الواعي والشامل” على مستوى الدولة وما تبقى من مؤسساتها نحو إصلاح شامل يبدأ بالتعليم والإعلام فورا، وهذا يتطلب بالضرورة ثورة تأسيس كاملة تحتاج تنظيفا جارفا لكل ما هو موجود. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان