الأفعى تعض ذيلها

من الصعب أن يكون هناك من تَخيل أن تَبلغ قوى اليمين المتشدد والمتطرف في إسرائيل الدائرة المتوقعة لها بهذه السرعة. فطالما قلنا، نحن فلسطينيي 48، للجمهور الإسرائيلي إن العنصرية المتصاعدة ضد العرب لا يمكن أن تتوقف عندهم، فنحن الدائرة الأسهل والأسرع، ولكن هذه العنصرية ستصل أوساطا كثيرة منكم.اضافة اعلان
ومن يتابع تفاصيل حراك الحلبة السياسية الإسرائيلية، وبالذات البرلمانية، في الأشهر الأخيرة، يستنتج أن القوى الصهيونية المتشددة تسارع الخطى أكثر من ذي قبل، نحو دائرتها الأخيرة، بضرب شرائح يهودية إسرائيلية واسعة لا تتوافق كليا مع توجهاتها، من خلال توجيه ضربات لجهاز القضاء الذي لم تعد العنصرية فيه بمستوى يشبع قناعات هذه القوى العنصرية، وهي تريد أكثر. وأيضاً ضرب الجمعيات والأطر الحقوقية، وضربات لوسائل الإعلام، حتى الخاصة منها.
وهذه القضية دخلت في الأيام الأخيرة مرحلة ذروة غير مسبوقة، فالمشهد العام في إسرائيل يقول: الأفعى تعض ذيلها.
ففي الأيام الأخيرة تسارع الكتل اليمينية المتشددة، ومن بينها من تمثل عصابات المستوطنين الإرهابية، الخطى نحو تعديل قوانين وإقرار قوانين أخرى، تقلب الكثير من أنظمة تعيين القضاة ورئاسة المحكمة العليا، من أجل ضمان تعيين قضاة من بين المستوطنين في مراتب قضائية عليا. وليس أنه محظور حتى الآن تعيين مستوطنين في جهاز القضاء، بل إن هناك عددا منهم في الجهاز، ولكن هذه الكتل تسعى إلى تعيين قضاة بعينهم في مناصب قضائية عليا، وتقف الأقدمية عائقا أمامهم للوصول مباشرة إلى هذه المراتب.
ومن أجل هذا الغرض، يتم انتهاك الأنظمة البرلمانية، بمساعدة الأغلبية اليمينية المطلقة، لتسهيل الإسراع في إقرار سلسلة من القوانين، ومن بينها ما يضرب الجمعيات الحقوقية التي يختلف نمط وقنوات تمويلها الخارجي عن تمويل جمعيات عصابات المستوطنين. ولهذا تم تفصيل قانون يضرب الجمعيات الحقوقية وحدها، المحسوبة حسب المنظور الإسرائيلي على اليسار.
كذلك، فإن وسائل الإعلام ليست بعيدة عن هذه الهجمة، بل هناك قانون القذف والتشهير الذي يرفع العقوبة عشرة أضعاف من دون الحاجة لإثبات الضرر. ورفض الكنيست جدولة ديون القناة العاشرة، ما يهدد بإغلاقها، لأن توجهات بعض صحفييها مخالفة لتوجهات الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو.
وهذه المبادرات تحظى بغالبية ساحقة في الكنيست، وليس من الائتلاف فحسب، بل إن المعارضة، وعلى رأسها حزب "كديما" بزعامة تسيبي ليفني، شريكة في هذا. فغالبية نواب "كديما" بادروا ووقعوا على واحد من أخطر القوانين العنصرية على المستوى الاستراتيجي العام، وعنوانه: "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي". وينص بوضوح على إقرار أفضلية لليهود في جميع المجالات، ويلغي الصفة الرسمية عن اللغة العربية.
من يتمعن بالفكر الصهيوني ومصادره الأساسية، يستنتج فورا أن هذه مبادرات ليست دخيلة على هذا الفكر، بل نبعت من صُلبه. وأصلا، فإن كتاب القوانين الإسرائيلي هو كتاب مرشد عام لأشرس الأنظمة والقوانين العنصرية التي يعرفها التاريخ المعاصر. كذلك، فإن القوانين الموجهة ضد فلسطينيي 48 بشكل خاص، وصلت كما يبدو، حتى الآن، إلى مرحلة استكمال ما يتجاوب مع التطلعات الصهيونية، ولربما بقينا الآن أمام مبادرات قد تظهر مستقبلا، إما لتحديد نسل العرب، أو لترحيلهم كليا عن وطنهم. أما الجديد، فهو أن هذه العقلية العنصرية وصلت إلى مرحلة لا تريد حواجز أن تقف أمامها، ولو كانت شكلية أو بدون تأثير استراتيجي عليها، فهي لا تريد جهازا قضائيا يحكم ضد مبادراتها ومشاريعها، ولو بنسبة 5%، ولا تريد جهات حقوقية تكشف جرائمها أو تغرد خارج سرب القوى الصهيونية المتشددة، ولا تريد إعلاما نقديا؛ هي تريد السيطرة المطلقة تمهيدا لمرحلة أخطر من اليوم.
كل هذا يحدث في ما تسميه الحركة الصهيونية، مع حلفائها خاصة الولايات المتحدة: "واحة الديمقراطية الشرق أوسطية".
في العالم العربي من ما يزال يتوهم بأن في إسرائيل "حرية تعبير". فمثلا، ها أنا ونحن نكتب هذا من الداخل وما نزال فيه. والرد على هذه الأوهام هو أننا نكتب ونتحرك ونواجه ونقاوم، على الرغم من عنصريتهم وشراستها، وليس "بفضل ديمقراطيتهم"، وهذا جزء من معركة البقاء في الوطن، لأن بقاءنا أيضا رغم أنوفهم، فالبقاء ليس شعارا نرفعه، بل هو ممارسة يومية، وهو الامتحان لذاتنا.

[email protected]