"الأقصى" في زمن الربيع والسلام

تصل المخططات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى، ومدينة القدس عموماً، ذروة جديدة من الجلاء فقط؛ إذ يفترض أن أهداف المحتل معروفة حد البداهة منذ العام 1967. لكن برغم ذلك، وبرغم ما شهده العالم العربي من تغييرات على امتداد عقود مضت، يبقى الثابت هو أدوات "المواجهة" التي أدت هي ذاتها، قبل أي عامل آخر، إلى احتلال القدس و"الأقصى"، وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين.اضافة اعلان
اليوم، سيقال إن "الربيع العربي"، من حيث إنه مؤامرة صهيو-أميركية، هو ما سمح لإسرائيل بتصعيد تهويدها للقدس. وإذا تجاوزنا سؤال مَنْ أحال "الربيع" إلى حمامات دماء؟ فيظل السؤال البدهي هنا: هل كان الوضع في فلسطين عموماً أفضل، فعلاً، في زمن استقرار الاستبداد والفساد "الوطنيين"؟ وبغض النظر عن كل إجابة ممكنة؛ منطقية كانت أو ملفقة، يظل الجوهر الوحيد لهذا الجدل، وبشكل لا يقبل التأويل، أن الغاية منه ليست القدس والمقدسات والسعي إلى إنقاذهما؛ وإنما هي تحويلهما (القدس والمقدسات) إلى محض أدوات "مفيدة" في الصراع العربي-العربي. وهو ما يجب أن يذكر تلقائياً بوضع "قضية العرب المركزية" إبان الحرب العربية الباردة، عشية نكسة أتت على ما تبقى من فلسطين.
ما يقال في "جدل" العلاقة بين "الربيع العربي" وتحرير فلسطين، يقال أيضاً وبنفس المقدار بشأن اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وإن كان المميز هنا التقاء الفرقاء/ الأعداء على جبهة مشروعية "الربيع العربي" أو تآمريته.
فمرة أخرى، هل سيؤدي إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل إلى وضع أفضل بالنسبة للقدس و"الأقصى" وكل فلسطين؟ وإذا كان كثيرون هم الذين سيجيبون بـ"نعم"، فإن من الممكن الجزم في المقابل أن واحداً من هؤلاء لا يستطيع الإجابة عن السؤال الحتمي التالي: "كيف؟". فهنا أيضاً، ليست فلسطين والقدس و"الأقصى" وكل المقدسات أهدافاً بذاتها، بل هي محض أدوات صراع بين الأنظمة والمعارضة، وعلى النحو الذي لخصته بشكل قاطع فترة حكم الإخوان المسلمين في مصر، وما بعدها. فالذين ثاروا على رسالة الرئيس محمد مرسي الودودة إلى شمعون بيريز، واعتبروها دليلاً دامغاً على مؤامرة إخوانية-صهيونية-أميركية، هم ذاتهم من أبدوا تفهما كاملاً لحصار غزة عربياً، واستمرار التنسيق الكامل مع إسرائيل، عقب الإطاحة بالإخوان والشروع بمطاردتهم.
ولعل "التناقض" الذي يجب استحضاره اليوم، باعتباره أكثر فائدة إزاء الأوضاع المتفجرة في القدس حالياً، هو الدور الذي لعبته تركيا-رجب طيب أردوغان، عندما كانت تصنف "مقاومة وممانعة"، إبان حرب 2006؛ عبر الوساطة بين حزب الله وإسرائيل، وصولاً إلى نشر قوات تركية في جنوب لبنان. إذ كان هذا الدور المرحب به بشدة من "المقاومة والممانعة" حينها، ممكناً فقط بفضل وجود علاقات قوية بين تركيا وإسرائيل. ولم يطالب أحد أنقرة يومها إظهار تضامنها أو صدق مواقفها عبر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المحتل المعتدي، بل ولم يكن حتى مزعجاً التعاون المزدهر على كل صعيد بين الطرفين!
بالنتيجة، ورغم كل الضعف والتشتت العربيين، ربما يظل بإمكاننا القيام بشيء واحد، إنما حاسم الآن، نبه إليه آخرون فعلاً في مرحلة سابقة؛ وهو عدم التطوع لتحويل الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية إلى أزمات سياسية عربية داخلية، بدأت يوماً مناكفات وتسجيل مواقف، ولم تنته إلا بنكسة أكبر من النكبة، في العام 1967.