الألعاب التقليدية تعود.. فهل تنقذ الأطفال من مضار التكنولوجيا؟

منى أبوحمور في تلك اللحظة التي رفع الطفل أحمد (13 عاما) يده على أخيه الأصغر منه وضربه بقوة، لأنه قاطعه ووقف أمامه وهو منشغل بلعبة على “البلاي ستيشن”، جاء قرار الأم حاسما بأن تمنعه نهائيا من اللعب مجددا. ذلك القرار، ورغم صعوبته على ابنها، إلا أنها مقتنعة به تماما، خصوصا بعد حالة العنف والطباع المؤذية التي باتت ظاهرة عليه في الفترات الأخيرة وجلوسه لساعات يلعب مع أصدقائه “الوهميين”، ما أثر على أجواء البيت كاملة وحتى على أشقائه وطريقة التعامل بينهم. تقول الأم “لم يكن ابني بتلك الطباع أو عنيفا كما هو الآن، لكن هوسه بألعاب الفيديو وطريقة تعاطيه معها وحديثه مع من يلعبون معه غيرته كثيرا، وأصبح يؤذي إخوته الأصغر منه في حال أشغلوه عنها أو قطعوا عليه لعبته المفضلة”. بعد مرور الوقت، وفي العطل المدرسية، وبعد أن تغيرت طباع ابنها المؤذية بعض الشيء، باتت الأم تسمح لابنها بأن يلعب “البلاي ستيشين” لأوقات محددة وتعود لتخبئها من جديد، وفي الوقت ذاته اشترت مجموعة من الألعاب التقليدية التي تجمع الأشقاء جميعا معا، وهو الأمر الذي أسهم بزيادة الروابط بينهم بأجواء لا تخلو من الفرح والمنافسة الجميلة. ربما أصبح مشهدا غريبا بعض الشيء، حينما يلعب الصغار ألعابا تقليدية وشعبية كانت السائدة قبل زمن ليس ببعيد. غرابة الأمر بأن يتمكن الطفل من الاستمتاع بعيدا عن أجهزة تكنولوجية ذكية تستنزف العقل والجهد والوقت وبمتعة قد تكون آنية. تنبهت العديد من العائلات الى خطورة الأجهزة الذكية على حياة الأطفال، الذين يعيشون عالما منفصلا عن العالم الحقيقي، منعزلين تماما، حتى أصبحوا لا يلتفون لأحد يتحدث معهم طالما هم مشغولون بتلك الأدوات، وكأنهم مغيبون تماما عن الواقع. لذلك، أخذوا على عاتقهم وبقرار حاسم أبعاد تلك الأجهزة الذكية عنهم، وقضاء أوقات ممتعة بألعاب تقليدية يتشاركون فيها الأخوة، وذلك تفاديا للتأثيرات النفسية والجسدية السلبية عليهم. العديد من الأسر باتت تشغل أطفالها بالألعاب التقليدية مثل الشطرنج وحجر النرد والشدة وغيرها، رغبة في إبعادهم عن الفضاء الإلكتروني الذي يؤثر على العقول ويغير شكل حياتهم الاجتماعية. حالة من الاستغراب سيطرت على طبيب العيون حينما راجعه طفل يبلغ من العمر 15 عاما، وعلم بأنه لا يستخدم هاتفا ذكيا إلا للضرورة القصوى. مجموعة من الأسئلة طرحها الطبيب علي عبدالله (15 عاما) الذي جاء لفحص نظره، حيث إن أغلب الصغار الذين يراجعون عيادته يعانون ضعفا بالنظر بسبب الأجهزة الحديثة، وهو ما اعتبره إيجابيا بقرار الأهل بألا يقضي ابنهم ساعات طويلة على “البلاي ستيشن” والأجهزة الإلكترونية كباقي أقرانه أو حتى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي غزت أجهزة معظم الأطفال، وهو ما يزال يستمتع بألعاب تقليدية. عزل الأطفال عن الألعاب الإلكترونية والأجهزة الذكية واللوحية ليس بالأمر الهين، خصوصا وأن كثيرا من المدارس تتبع أسلوب التعليم الإلكتروني، الأمر الذي يجبر الكثير من الأهالي على شراء أجهزة إلكترونية وإعطائها لأبنائهم، بحسب الأربعينية منتهى الطيب، وهي والدة لأربعة أطفال. وتقول الطيب “فصل الأبناء عن الأجهزة الإلكترونية تماما ليس بالأمر الهين، ولكن التوازن في كثير من الأحيان يقلل استخدامهم لها تدريجيا”. وحول استخدام أطفالها الأجهزة الإلكترونية، تشير الطيب إلى أن استخدام أبنائها المستمر للأجهزة الإلكترونية خلال التعليم الإلكتروني وتأثير ذلك على صحة العيون، جعلها تتخذ قرارا حاسما حول ضرورة إيقاف استخدامها بعد العودة للتعليم الوجاهي. وتوافقها في ذلك منار حسين التي سحبت الأجهزة الذكية بعد العودة إلى التعليم الوجاهي، وأجبرت أبناءها على الانقطاع عن هذه الأجهزة واستخدام الحاسوب في الدراسة إذا لزم الأمر. وتلفت منار إلى عدم تقبل أبنائها لهذا القرار في بداية الأمر وحالة “الملل” التي أصابتهم بسبب تعلقهم بالأجهزة خلال فترة التعليم الإلكتروني، إلا أنهم وبعد فترة استطاعوا التأقلم وكانوا فقط يستخدمون الحاسوب الشخصي لحل الواجبات المدرسية. وتغلبت منار على أوقات فراغ أطفالها بالألعاب الإلكترونية، ومن خلال قراءة الكتب ولعب الشطرنج والرسم وكذلك لعب كرة القدم وغيرها من الألعاب التي يتشارك بها أفراد الأسرة معا. ومن جهته، يشير الاختصاصي التربوي عايش النوايسة، إلى أن لهذا الأمر اتجاهين؛ سلبي وإيجابي، فالأسرة اليوم تعيش أمام محيط عالمي مفتوح، وبالتالي هناك تقارب في المسافات وفي استخدامات عديدة للوسائل التكنولوجية والتطبيقات الإلكترونية. قضية العزل التام من الصعب أن تنجح أو حتى أن يتمكن الأهل من أن يعزلوا أبناءهم تماما عن المحيط، فالطفل اليوم ملزم بأن يستخدم التقنيات في الدراسة والتعلم باللعب من خلال التطبيقات الإلكترونية والألعاب الإلكترونية، وبالذات في الأشهر الثلاثة الأولى في مرحلة رياض الأطفال. قضية عزل الطفل وربطه فقط بالممارسات التقليدية ربما تؤثر على نموه، والأصل بالأسرة أن تعرف الطفل وتحصنه لكي يستطيع أن يميز بين الغث والسمين وبين الأشياء التي يمكن أن يستفيد منها والأمور الأخرى. ويلفت النوايسة إلى ضرورة أن يحرص الأهل على التوازن في استخدام التقنيات الرقمية والتكنولوجية، خصوصا وأن الطفل معرض لاستخدامها في أي وقت، وبالتالي “لا نغلق عليه لكن من دون مبالغة أيضا باستخدام التكنولوجيا التي قد تؤثر على تواصله الاجتماعي أيضا”. الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يبين أن الجانب الترفيهي للألعاب الإلكترونية يجذب الأطفال ويشعرهم بأجواء من المتعة، لكن تحتوي هذه الألعاب على عنصر العنف الذي يؤثر بدوره على العلاقات الأسرية داخل البيت. ويبين أن العلاقة بين الإخوة تغيرت بعض الشيء بفعل هذه الألعاب؛ حيث افتقد الطفل الاستمتاع بالحياة الطبيعية وأصبح يفضل الانتقال من الواقع إلى عالم افتراضي وأصدقاء غير حقيقيين، مما يؤثر عليه حاضرا ومستقبلا ويجعله يستسلم لعزلته. ويشير مطارنة إلى أن حياة الطفل تنحصر خلف الشاشات، الأمر الذي يتسبب حتما في قلة تركيزه وتراجع تحصيله الأكاديمي وانعدام تواصله مع محيطه وإغراقه في عالم الخيال، مؤكدا مسؤولية الأهل التي تكمن في تقنين أوقات اللعب وإيجاد بدائل أخرى أكثر أمانا لملء فراغ أبنائهم. وحول التوازن في استخدام الأجهزة الذكية ومحاولة تقليل الساعات قدر المستطاع واقتصار استخدامها فقط لغايات الدراسة، يرى مطارنة أنها خطوة في غاية الأهمية، ولابد من تأكيدها لما لها من آثار نفسية وتربوية وكذلك اجتماعية على الأطفال. ويؤكد مطارنة أن العودة للقراءة وممارسة ألعاب الذكاء مثل الشطرنج والرسم وغيرها من الهوايات التي تحسن نفسية الطفل وتطلق العنان لإبداعات الطفل وتغذي خياله وترفع من ذائقته الأدبية والفنية، كما تحفز الجانب الخيالي والأدبي في شخصيته. دراسات عديدة حذرت من الإفراط والإدمان للوسائط الرقمية ولها آثار وعواقب ضارة جسدية ونفسية واجتماعية وعصبية، كما تشير الدراسات إلى أن المدة والمحتوى والاستخدام بعد الظلام ونوع الوسائط هي عوامل لها تأثيرها بمستوى الضرر. وأجريت دراسة أيضا تم عملها عبر التخطيط المقطعي لدماغ الأطفال في مرحلة ما قبل رياض الأطفال لدراسة تأثر أدمغتهم مع استخدام الوسائط المستندة إلى الشاشة. ووجدت هذه الدراسة ارتباطًا بين زيادة استخدام هذه الوسائط، وانخفاض سلامة البنية المجهرية لمسارات المادة البيضاء في الدماغ. هذه المسارات هي بالمناسبة المسؤولة عن دعم تعلم اللغة ومهارات القراءة والكتابة الناشئة لدى الأطفال في هذه المرحلة. كما يشكل هذا الاستخدام مخاطر بيولوجية عصبية عند الأطفال، الأمر الذي أثر على كيفية لعب الأطفال وتعلمهم وتكوين العلاقات. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان