الأمم المتحدة.. 75 عاماً من الخيبة..!

على موقع مبادرة «الأمم المتحدة-75، للعام 2020 وما بعد»، أو UN-75، نقرأ: «تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشائها في وقت يشهد فيه العالم اضطراباً كبيراً يتفاقم بفعل أزمة صحية عالمية غير مسبوقة، ذات آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة. فهل سنخرج من هذا المحك أكثر قوة وأكثر استعداداً للعمل معاً؟ أم هل سيزيد مستوى انعدام الثقة والعزلة أكثر»؟اضافة اعلان
إحدى الإجابات جاءت في مقال للدبلوماسي السابق في الأمم المتحدة والكاتب الكندي، سيرجيو مارشي: «جاءت الحلول (الخاصة بمواجهة كوفيد-19) في معظم البلدان من الحكومات الوطنية ودون الوطنية، في حين لم تعزز الأمم المتحدة أي تعاون دولي يُعتد به. وكشخص يؤمن بعمق بالمؤسسات متعددة الأطراف والذي خدم في هذه المؤسسات، فإنني أجد هذا الواقع محيرًا ومحبطًا. ليست هذه بالضبط الطريقة المثلى لاحتفال الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها هذا العام. فقد تم إنشاؤها لمساعدة الدول وحشدها بدأب في مواجهة التحديات العالمية، لكنها كانت غائبة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالعمل».
أضاف فيروس كورونا فقط إلى كشف الخلل البنيوي والوظيفي للأمم المتحدة فحسب. إنه ليس صراعاً بين دول متفاوتة النفوذ، وإنما صراع تخوضه البشرية ضد عدو مشترك. ومع ذلك، لم تستطع الأمم المتحدة أن تكون «حكومة عالمية» ولا مظلة تحشد الطاقات أو تحيّد المصالح الضيقة والتنافس غير التعاوني الذي لا يشبه حتى غريزة القطيع في مواجهة خطر مشترك.
من الإنصاف إسناد الفضل إلى الأمم المتحدة في بعض الشؤون غير الخلافية، مثل رعاية الطفل والمرأة واللاجئين وما شابه. لكن مشاكل هذه الفئات تتصل بعجز النظام الذي تمثله هذه الهيئة عن تكريس نظام عالمي عادل يعالج الأسباب الجذرية لهذه المشاكل. فاللاجئون نتاج الصراعات والاحتلالات، ومشاكل الأطفال نتاج الفقر واستئثار قلة نافذة بالثروات على حساب الكثرة، ومشاكل النساء عرَض للتخلف الملازم للمجتمعات المحرومة من فرص التعلُّم والتقدم. وكل مشكلات العالم يمكن تعقبها إلى الصراعات والهيمنة التي تفرز توزيعاً غير عادل للموارد والفرص.
بالنسبة لنا، نحن العرب، كانت الأمم المتحدة خيبة كاملة في التعامل مع قضية مركزية وتّرت إقليمنا واستنزفت طاقاتنا وأثرت عميقاً في تاريخنا الحديث: القضية الفلسطينية. ولم تستطع هذه الهيئة أن تفعل شيئاً حتى لإنفاذ القرارات التي مررتها هي نفسها بهذا الخصوص.
عندما سُئل مؤخراً عن إعلان الفلسطينيين الانسحاب من الاتفاقات والالتزامات الموقعة مع الحكومتين الإسرائيلية والأميركية بسبب الضم و»خطة القرن»، قال المبعوث الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، «نيكولاي ميلادينوف»، إن رد الفعل الفلسطيني يمثل «صرخة يائسة لطلب المساعدة».
«صرخة يائسة للمساعدة» هي كل ما تملكه الشعوب المظلومة صاحبة القضايا العادلة في عصر الأمم المتحدة، التي كرست وشرعنت هيمنة الأقوياء على الضعفاء، ولم يشهد العالم في عهدتها سلاماً ولا إنصافاً. وحيثما لم تؤمّن الدول القوية قراراً من الأمم المتحدة يبارك عدوانيتها، فإنها تصرفت وحدها ببساطة، أو صنعت تحالفات جانبية، في ازدراء كامل لهذه الهيئة وما تمثله. هكذا فعلت الولايات المتحدة في احتلالها للعراق في العام 2003. وهكذا فعلت في آخر فصل من حربها الدائمة على الفلسطينيين بإعلان «صفقة قرن» ترامب ومباركته الضمنية للضم.
تقترح مبادرة «أمم-75» أن يكون العام 2020 عاماً لحوار «نجتمع فيه لمناقشة أولوياتنا بوصفنا أسرة بشرية، والكيفية التي يمكننا أن نبني بها مستقبلا أفضل للجميع». لكن الحوارات المفضية إلى خلاصات ومشاريع قرارات صيغت بطريقة ديمقراطية وتقترح آليات إنفاذ عملية ليست ذات صلة غالباً في الأمم المتحدة. قد تُقدم خطابات ومداخلات وردودا على المداخلات. نعم. وقد تبدو الاتجاهات العامة للنقاش ذاهبة إلى موقف مؤيَّد بأغلبية ساحقة. لكن أي واحد فقط من بين خمسة مندوبين للدول الخمس المتحكمة في أقدار البشرية يستطيع أن يستخرج بطاقة «الفيتو» ويصب الماء البارد على العالَم ورأيه في لحظة. ولذلك، سيكون أي حوار ضمن هذه الشروط حوار طرشان، أو أن صوت المتحاورين لن يُسمَع خارج المنطقة الدنيا المفصولة بحاجز سميك عن أصحاب القرار في البرج العاجي. ولن يمر إلا ما تريده صاحبة شركة الأمم المتحدة الأهم، أميركا، ثم الأربعة الآخرون، والباقي «كمالة عدد».