الأمن الاقتصادي والاجتماعي.. مسؤولية اخلاقية

غسان الطالب*

يمكن القول إن المصارف الإسلامية، ومن خلال تنوع أدواتها المالية والاستثمارية، هي مصارف شمولية تغطي أوجه الاستثمار وحاجاته التمويلية في الاقتصاد الوطني على عكس ما هو موجود في البنوك التقليدية التي أخذت أشكالا متعددة ومسميات مختلفة حسب النشاط التمويلي الذي تؤديه مثل بنوك عقارية، صناعية، ادخارية، إسكان، تجارية وهكذا… لهذا فإن تنوع الأدوات المالية الإسلامية ووظائفها التمويلية عمل على تنوع فرص الاستثمار للمصرف وحسب حاجات القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل المضاربة والمشاركة؛ حيث تعدان أداتي تمويل طويلتي ومتوسطتي الأجل.
وتمثل المرابحة تمويلا قصير الأجل تغطي عادة قطاع التجارة المحلية والخارجية، وهناك بقية العقود مثل عقد السلم، عقد الاستصناع، عقد المزارعة، عقد المساقاة، وأخيرا برزت الصكوك أداة تمويل أخذت أشكالا عدة حسب الأدوات المذكورة سابقا ، وتعد هذه الصكوك أداة تمويل يمكن لها أن تغطي الاحتياجات التمويلية كافة التي تحتاجها القطاعات الاقتصادية المختلفة، علما أن مصارفنا الإسلامية تمتلك من الإمكانات التي تسمح لها التركيز على أدوات تمويل فاعلة وذات عائد اقتصادي واجتماعي ينعكس على الاقتصاد الوطني وينسجم كذلك مع وظيفتها التمويلية الشمولية.
ما اردنا قوله ان المرحلة المقبلة تتطلب من كل المؤسسات المالية والمصرفية خاصة القطاع المصرفي الإسلامي الالتفات وبشكل جدي الى حاجة اوطاننا الى الأمن الاقتصادي والاجتماعي نظرا لما يمر به العالم اليوم من اغلاقات بين الدول وعوائق النقل نتيجة ازمة كورونا وحتى تراجع الانتاج في العديد من القطاعات الاقتصادية، الامن الاقتصادي والاجتماعي الذي نراه متمثل في الامن الغذائي بشقيه الانتاج الزراعي والصناعات الغذائية والذي لا يحظى بالاهتمام الكافي رغم ما نملكه من الأراضي الزراعية الشاسعة والخصبة، إضافة إلى استصلاح الأراضي المعرضة للزحف الصحراوي، وحتى الصحراء يمكن الاستفادة منها عندما تتوفر الإمكانات المادية والتمويلية، مع القناعة التامة بأن الاستثمار في أي قطاع لا بد أن يخضع لاعتبارات وحسابات الربح والخسارة ؛ فعلى المدى القصير قد يبدو أن هذا المطلب غير مجد، لكن على المدى الطويل سيكون من أفضل قطاعات الاستثمار على الصعيد المادي وأكثرها عائدا لأن الاستهلاك لن يتوقف وأعداد السكان في تزايد، بمعنى أن الطلب على الغذاء يسير في منحنى تصاعدي وهذا منطق الأمور، فأي قرار لا بد ان له كذلك عائد اجتماعي وأخلاقي ينظر له من جوانب اقتصادية وسياسة تسهم جميعها في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وتبعدنا عن أسواق الاحتكار وأحيانا الابتزاز. هذا اذا علمنا بوجود رؤوس اموال عربية واسلامية سواء المهاجرة أو المستقرة تبحث عن فرص الاستثمار إضافة إلى السيولة المتوفرة لدى المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية إذا أجمعت على تحقيق هذا الهدف فسوف نحقق المعجزة الاقتصادية المرجوة وستكون كذلك نقلة نوعية في تفكيرنا الاستثماري وستعمل كذلك على فتح منافذ استثمارية جديدة في الصناعات الغذائية ومستلزمات قطاع الزراعة وقطاع الخدمات المرافق لهذا القطاع، ولتحقيق ذلك، فإننا نقترح ما يلي:

  • إنشاء أو المساهمة في تأسيس شركات متخصصة للاستثمار في قطاع الزراعة وملحقاته الخدمية والصناعية.
  • عمل دراسات متخصصة في أنواع الزراعة الملائمة للتربة والمناخ في كل بلد يرغب في الاستثمار في هذا القطاع.
  • الاهتمام بتقديم التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الزراعة أو الصناعات الغذائية.
  • العمل على تطوير البنية التحتية في المناطق الزراعية المستهدفة بالاستثمار كي لا يكون عائقا أو مبررا لقرار الاستثمار .
    يبقى السؤال الأهم: هل مصارفنا الإسلامية مستعدة للأخذ بزمام المبادرة وتسهم حقا في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعاتنا؟ إننا على يقين وثقة بقدراتها وبما تمتلكه من محفزات أخلاقية ومادية تؤهلها لتحقيق طموح مجتمعاتنا.
اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي