الأمية الديمقراطية والانتخابات البلدية

علاوة على حالة الاسترخاء العام في التعامل مع ملف الانتخابات البلدية، نجد حالة أخرى من الاسترخاء في التناول الإعلامي؛ ما يذهب الى استنتاج مؤسف أن ثمة مسافة حقيقية بين خطاب الإصلاح الذي تتبارى الدولة والمجتمع في تفصيله وادعاء الوصل به وبين الأفعال على الأرض، وهذه المرة تُحمّل المسؤولية في تواضع اهتمام الرأي العام بهذه الانتخابات للإعلام الرسمي والإعلام والخاص على حد سواء.اضافة اعلان
ثمة استنتاجات مصيرية أثبتتها التحولات العميقة التي شهدها الإقليم خلال السنوات الاخيرة، حينما أكدت بما يقطع الشك بأن الديمقراطية، غير القابلة للاستيراد وغير القابلة للاحتكار والتشويه وغير القابلة للاتجار بالأوطان، تبدأ من العمق الاجتماعي، أي من المجتمعات المحلية وأن سلامة الأوطان مرتبطة بعافية تلك المجتمعات، وبمدى الاشتغال على دمقرطتها كي لا تكون ألعوبة لتيار سياسي أو أن تذهب بعيدا وراء العواطف الدينية، أو أن تهدر قدراتها ومستقبلها في البحث عن المرجعيات الأولوية الجهوية أو القبلية على حساب فكرتي الدولة والوطن.
طُرح سؤال كبير في الموجة الثانية من التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم في القرن العشرين الماضي؛ هل الديمقراطية تُعَلّم ؟ كانت الإجابة نعم، ولكن ليس في المدارس والجامعات بل في الحياة اليومية للجماعات، ومن منظور التعلم وليس التعليم؛ أي التعلم المستمر مدى الحياة وليس التعليم النظامي. وربما هذا هو الدرس الذي لم ندركه بعد في المجتمعات العربية المنشغلة بأزمة النخب وصراعاتها على حساب محنة المجتمعات التي قادتها النخب الى هذا المصير.
هنا، يبدو دور الإعلام هو الأساس في تعلم الديمقراطية وغرسها ثقافيا في مواجهة الأمية الديمقراطية، ولعل الانتخابات البلدية أحد المجالات التي تعودنا على خسارتها في مواجهة مكافحة الأمية الديمقراطية  المرتبطة بممارسة ديمقراطية محلية توفر حالة صحية بإعادة إنتاج النخب المحلية بالاستناد إلى الكفاءة والإنجاز، حينما يصاغ التنافس محلياً وفي بيئة ثقافية تتجاوز المناطق والجهويات والقبائل لصالح  توطين معايير الكفاءة والإنجاز في وعي الناس، وبما يلمسونه مباشرة في محلياتهم، وبالتالي مد النخبة على المستوى الوطني بدماء جديدة.
الديمقراطية المحلية تعلّم المجتمعات الصغيرة على التفاعل الإيجابي من خلال المشاركة، وإحدى أدواتها الإعلام المحلي الذي يحمل أصوات القوى المحلية الفاعلة والمهمشين ويدير النقاشات على المستوى المحلي ويوفر المعلومات ويمارس الرقابة، ما يخفف الضغط عن الحكومة المركزية ويجعل الناس أكثر فاعلية باستخدام الأدوات المعاصرة في تجميع المطالب وتصعيدها ومراقبة مدى الكفاءة المحلية في تنفيذها وفي مراقبة السياسات العامة وتقييمها.
للأسف فالأمية الديمقراطية والسياسية لا تتوقف عن حدود سلوك الناخبين، بل الأخطر من ذلك كفاءة وممارسات المرشحين.  كيف نوفر حدا معقولا من الوعي في خيارات الناس اليومية وفي مواقفهم وفي قدراتهم على تطوير أدوات سلمية في حل خلافاتهم أو تصعيد مطالبهم، فالخبرة العربية الأخيرة في الثورات الشعبية والثورات المضادة وتمرد الثورات على نفسها وإنتاج المجتمعات للعنف، أضافت نوعا جديدا من الأمية سيكون قريبا أخطر من الأميات السابقة التي لم نتحرر منها بعد.