الأمية مرشحة للارتفاع

مطلع العام الحالي، أطلقت الجامعة العربية تحذيرا من أن أرقام الأمية مرشحة للازدياد، وذلك بسبب تعثر الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، والفشل في خفض أرقام الفقر والبطالة، وأيضا بسبب النزاعات والصراعات المسلحة، إضافة إلى موروثات اجتماعية وثقافية، كالزواج المبكر والتفكك الأسري وعمالة الأطفال.اضافة اعلان
هذا التحذير كان قبل الإغلاق الكبير الذي تسبب به تفشي وباء كورونا حول العالم، ومن ضمنه المنطقة العربية التي شملتها تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية.
نسبة الأمية في العالم العربي تبلغ 21 %، وهي بلغة الأرقام حوالي 90 مليون عربي لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. وهي نسبة مرتفعة جدا عن المتوسط العالمي البالغ 13.6 %. لكن المحبط في الأمر، هو نسبة الأميات العربيات والتي تتراوح في بعض البلدان العربية بين 60 % و80 %، بسبب التمييز ضد الفتيات في التعليم في كثير من البيئات العربية، والتي ما تزال تنظر إلى الفتاة على أنها «مجرد» زوجة وأم مستقبلية، وأن التعليم لن يضيف لها أي مهارة تذكر في هذه الوظيفة!
خلال جائحة كورونا الأخيرة، توقف التعليم في معظم الأقطار العربية، وكثير من الدول ادعت أنها تقدم تعليما عن بعد للطلبة، وهو ادعاء لم تثبت صدقيته، بينما أشار بعض الخبراء إلى أن التجربة لم تكن كما ينبغي، إضافة إلى تأكيدهم أن هذا النوع من التعليم لا يقدم أي جدوى للصفوف الأولى التي تحتاج إلى ميسر موجود فعلا في الغرفة الصفية، وإلى توجيه وتواصل فعّال.
لكن التعليم عن بعد، ورغم أنه تم تقديمه عبر محطات تلفزيونية أحيانا، إلا أنه اعتمد بشكل أساسي على الحواسيب وشبكة الإنترنت، ما يحيلنا إلى سؤال آخر عن أمية أخرى، وهي الأمية الرقمية في العالم العربي، ونسبها إن كانت تتوفر قاعدة بيانات لذلك!
تقول الأرقام الموثقة الصادرة حديثا إن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي يبلغ 96 مليون شخص، من 422 مليون عربي. ورغم أنني لم أستطع الوصول إلى نسبة محددة للفجوة الرقمية في العالم العربي، إلا أن الرقم السابق قد يشير إلى وجود أكثر من 75 % ممن لا يتمتعون بالمعرفة التكنولوجية، أو أنهم لا يمتلكون القدرة على توفيرها.
هناك علاقة طردية بين الأمية الهجائية والأمية الإلكترونية، بينما أصبح امتلاك جهاز اتصال ذكي نوعا من التفاخر الاجتماعي، فإن نسبة لا بأس بها يجهلون الخدمات الكثيرة التي من الممكن أن يقدمها الجهاز، وقد رأيت أشخاصا أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، يمتلكون آخر إصدارات من أجهزة باهظة الثمن، بينما هم عاجزون عن استثمارها سوى بالاتصال والرد!
الرقمنة أصبحت اليوم واحدة من أدوات التعلم الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، بينما هناك من يقول إن التعليم عن بعد سيكون هو التعليم الوحيد المتوفر خلال المستقبل القريب، خصوصا أنه منخفض الكلفة مقارنة مع التعليم التقليدي، وأيضا بسبب نهجه اللا نمطي القادر على توفير الوقت والجهد، وتحديد المسار التعلمي بحسب رغبة الطالب.
لكن، وفي الوقت الذي نقترب فيه من تسجيل 100 مليون أمي عربي، لا يقرؤون ولا يكتبون، كيف لنا أن نجسّر من هذه الفجوة الرقمية، وهل ستكون الأولوية لها أم للملايين التي أجبرتها النزاعات والفقر والحروب واللجوء والتفكك الأسري، وغيرها، على أن تعيش في ظلمة الأمية والجهل؟
عند نقطة معينة، لا بد للسلطة العربية من أن تحدد مسارها المستقبلي، فإما أن تنتهج خط التعليم كاستثمار في المستقبل، وأن تخصص له التمويل اللازم، لا أن يظل على هامش الموازنات، وإما أن «تستثمر» في الجهل، لكي تظل سلطة تعيش في القرن التاسع عشر، حيث لا هم لها سوى أن تظل الشعوب جاهلة ومغيبة عن كل ما يجري حولها، لكي يستتب لها حكمها بدون متاعب!