الأميركيون الفلسطينيون يريدون ذهاب ترامب، لكن لديهم مشاكل مع بايدن

أليسون ميكيم* - (فورين بوليسي) 19/10/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في ولاية حاسمة مثل ميشيغان، سيتعين على جو بايدن إقناع الفلسطينيين المتشككين بأنه لن يتركهم في العراء -مرة أخرى.

  • * *
    يحث العديد من قادة المجتمع الفلسطيني في ديربورن بولاية ميشيغان -موطن الجالية الفلسطينية الأميركية الصغيرة، وإنما عالية الصوت، والتي ساعدت على انتخاب النائبة رشيدة طليب- يحثون الناخبين على التصويت لجو بايدن في انتخابات الشهر المقبل بالتماسَين بسيطين. أولاً، صوتوا لإخراج الرئيس دونالد ترامب من السلطة. وبعد ذلك، بعد يوم الانتخابات، ابدؤوا الضغط لدفع أقدام الديمقراطيين إلى النار بشأن القضية الفلسطينية.
    ولا يبدو الجزء الأول من هذه الوصفة صعباً؛ فمشاعر الاستياء تتصاعد بين الفلسطينيين هنا على ترامب -الذي اتسمت سياسته الخارجية بدعم لا يلين لإسرائيل، أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأميركية. ويشعر الفلسطينيون، الذين يقولون إن ترامب أعاد كتابة القواعد المتعلقة بالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بالإحباط بشكل خاص من قيام ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وقراره في 2018 بسحب التمويل من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كما أنهم يشعرون بالحيوية والطاقة بعد الاحتجاجات التي تسبب بها مقتل جورج فلويد على يد شرطي هذا الصيف، وهم يرون انعكاسات معاملة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي في تجارب الأميركيين السود المميتة في كثير من الأحيان مع سلطات إنفاذ القانون.
    لكن السؤال المطروح في هذه الضاحية من ديترويت التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 100 ألف شخص -والمعروفة باسم "العاصمة العربية لأميركا"- هو ما إذا كان صدى هذه الرسالة القاتمة عن تقليل الضرر سيتردد لدى المنافس الديمقراطي في ميشيغان التي يعتقد أنه لا بد من أن يكسب أصواتها؛ حيث يشعر البعض بأن الديمقراطيين قد أخذوا الأصوات الفلسطينية كأمر مفروغ منه منذ وقت طويل، على الرغم من أنهم يبذلون القليل من الجهد لكسبها.
    ويقول أحمد أبو زنيد، المحامي والناشط الفلسطيني الأميركي المولود في القدس والمقيم الآن في ديربورن: "لقد سئمنا نوعًا ما من اللعبة. أعتقد أن معظمنا يصطفون مع إلحاق الهزيمة بالفاشية في هذه اللحظة… ولكن، لا أحد منا ينخدع ببايدن أيضًا. إن بايدن سيئ بشكل خاص في بعض من أكبر قضايانا".
    وأشار أبو زنيد إلى دعم بايدن لحرب العراق و"الصهيونية المتشددة" باعتبارها أعلامًا حمراء بالنسبة للمجتمع الأميركي الفلسطيني. وتقوم منصة بايدن الرسمية بتسويق "دعم قوي لإسرائيل"، والذي هو "شخصي للغاية ويمتد على طول حياته المهنية"؛ كما قال نائب الرئيس السابق أيضا إنه سوف يبقي السفارة الأميركية في القدس. ويرى الكثيرون أن إضافة سيناتور كاليفورنيا، كامالا هاريس إلى البطاقة الديمقراطية -والتي تربطها علاقات قوية بلجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) وتعهدت بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل- هي علامة على أن هذه الأعراف لن تتغير في أي وقت قريب.
    ومع ذلك، يشعر بعض سكان ديربورن بالقلق من احتمال أن يؤدي التركيز المفرط على خيبات أملهم الخاصة من البطاقة الديمقراطية إلى منح ترامب ولاية ثانية، والتي يشعرون أنها ستكون أسوأ من أي شيء يمكن أن تفعله إدارة يرأسها بايدن وهاريس.
    يقول طارق، وهو مستشار بيانات وشاعر ومنظم مجتمعي فلسطيني أميركي تنحدر عائلته من غزة: "هناك شعور عام بأنه لا يمكننا المجازفة بإجراء محادثات دقيقة في الوقت الحالي لأن هناك أشخاصًا يبحثون عن أي سبب لعدم دعم بايدن". وحتى القادة الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية، الذين امتنعوا تقليديًا عن اتخاذ موقف علني بشأن الانتخابات الرئاسية الأميركية، أصبحوا قلقين بشأن التداعيات التي ستنجم عن أربعة أعوام أخرى من حكم ترامب. وفي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية للقادة الأوروبيين "فليكن الله في عون العالم كله" إذا أعيد انتخاب ترامب.
    جاء معظم المهاجرين الفلسطينيين في ديربورن إلى ميشيغان في موجات بعد الحروب العربية الإسرائيلية في العامين 1948 و1967. وحلقتا التهجير الجماعي هاتان معروفتان للفلسطينيين بالنكبة والنكسة على التوالي. ومن وجهة نظر الفلسطينيين، كانت النكبة، التي تعني "الكارثة"، هي الأولى فقط بين كوارث أخرى تلتها: يعتبر الكثيرون أن اتفاقيات أوسلو التي أبرمت في العام 1993، والتي تم التوصل إليها بوساطة أميركية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت نقطة تحول أدت بشكل أساسي إلى تطبيع المستوطنات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، ما عرض للخطر أي آمال في تحقيق حل الدولتين.
    واليوم، على الرغم من إعلان الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، ما تزال إسرائيل تسيطر على أكثر من 60 في المائة من الضفة الغربية. وهذا الاتجاه يتسارع فحسب: في الأيام الأخيرة فقط أعلنت إسرائيل عن خطط لبناء 4.430 وحدة سكنية جديدة على الأراضي الفلسطينية.
    مع وجود 18 في المائة فقط من الضفة الغربية تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة (النسبة المتبقية 21 في المائة تحت السيطرة الإسرائيلية-الفلسطينية المشتركة)، يرى معظم الشباب الأميركيين الفلسطينيين أن حل الدولتين عفا عليه الزمن ويفضلون قيام دولة علمانية واحدة -وهو الحل الذي دعت إليه في البداية منظمة التحرير الفلسطينية في ميثاقها للعام 1964. وهم ليسوا وحدهم في ذلك: فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة ماريلاند في العام 2018 أن النسبة المئوية نفسها تقريبًا من الأميركيين (35 بالمائة) يؤيدون حل الدولة الواحدة كما فعلوا مع حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
    تقول عاملة اجتماعية فلسطينية تبلغ من العمر 23 عامًا ولدت وترعرعت في ديربورن، والتي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنها لا تريد تعريض قدرتها على دخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية للخطر: "الكثير من الناس لا يعرفون قصة فلسطين. إنهم لا يعرفون عن الاحتلال الذي نعاني منه. إنهم لا يعرفون ما حدث. إنهم يعتقدون أن هناك طرفين كانا (دائمًا) يتقاتلان الآن على الأرض. … يجب أن أشرح (للناس) طوال الوقت: ‘لا، لم تكن إسرائيل دولة قبل 48’"!
    وقالت العاملة الاجتماعية، التي تنحدر عائلتها من قرية بيت حنينا، إنها تريد ببساطة أن تكون قادرة على "العودة إلى الوطن" -وأن يتمكن جميع الفلسطينيين من "العودة إلى أرضنا وجذورنا"، سواء في حيفا أو الخليل -أي مناطق فلسطين قبل العام 1948. وأضافت "كما رأينا في أميركا، فإن سياسة ‘منفصلون ولكن متساوون’ لن تنجح أبدًا. إذا كنت من السكان الأصليين لهذه الأرض، فإن لديك كل الحق في أن تكون هناك". وهي تعتبر أن نظام الحقوق الإسرائيلي المتشعب وسياسة تخصيص الأراضي يرقيان إلى مستوى الفصل العنصري.
    لكن فلسطينيي ديربورن لا يتوقعون منحهم حقهم في العودة إلى وطنهم في أي وقت قريب، حتى لو حقق بايدن الفوز. وعلى الرغم من ضغوط الجناح التقدمي للحزب، فإن البرنامج الرسمي للحزب الديمقراطي لا يشير إلى إسرائيل كقوة محتلة في الأراضي الفلسطينية، ما يجعل من غير المحتمل أن تتخذ أي إدارة يرأسها بايدن في المستقبل إجراءات حاسمة ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي -مثل المساعدة المشروطة- ناهيك عن توجيه دعوة للانسحاب العسكري من الأراضي الفلسطينية.
    نتيجة لذلك، يعتبر معظم الفلسطينيين السياسة الأميركية تمريناً في العبث. كانت الولايات المتحدة في طليعة عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية منذ إنشاء إسرائيل -والتهجير الجماعي للفلسطينيين- في العام 1948، ومع ذلك، فإن إحجام القادة الأميركيين عن الوقوف في وجه إسرائيل لم يؤد إلى نتائج تذكر في طريق تحقيق تقرير المصير الفلسطيني . والآن، بعد 72 عامًا، ما يزال الفلسطينيون يفتقرون إلى الحرية.
    يقول طارق عن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية: "الأمر أشبه بأناس يتجادلون على قطعة بيتزا، ولكن بينما تجادلُ بأن شخصًا ما يأكل البيتزا حرفياً. لم تتبق منها أي شرائح في الحقيقة".
اضافة اعلان

*Allison Meakem: زميلة تحرير في مجلة "فورين بوليسي".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: ‘Tired of the Game’: Palestinian Americans Want Trump Out but Have Issues With Biden