الأميركيون ونتنياهو.. مرة أخرى

هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

اضافة اعلان

يشمل الاتفاق مع اتحاد الإمارات اختراقة مهمة، علنية هذه المرة، من شأنها أن تنهي حلقة العزل العربية المحيطة بإسرائيل. وهو ايضا يحسم، لصالح نتنياهو، الخلاف الذي كان بينه وبين خصومه من اليسار (وإدارات أميركية سابقة). تبين أنه يمكننا أن نطور بصورة ملحوظة العلاقات مع الدول السنية دون حل مسبق للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
على الطريق كهدية، أزال نتنياهو من جدول الأعمال آلاعيب السياسة الخطيرة التي من خلالها لعب بالنار طوال العام الماضي – ضم جزء من المستوطنات في الضفة الغربية، في ظل تفسير ابداعي لمبادرة السلام الأميركية لترامب. من بين الصيغ المتناقضة التي أعطيت مؤخرا، يفضل الاصغاء لأقوال صهر الرئيس الأميركي، جارد كوشنر، وحتى بصورة نادرة لدونالد ترامب نفسه. نتنياهو تنازل عن الضم. هو لم يؤجله إلى موعد مستقبلي ضبابي. هو لم يكن ليحظى باتفاق سياسي مع الإمارات بدون تراجع مطلق عن خطته.
هذه هي المرة الثانية التي ينقذ فيها كوشنر نتنياهو من نفسه. المرة الأولى كانت في كانون الثاني (يناير) الماضي عندما التقى نتنياهو وترامب في واشنطن عند طرح صفقة القرن. ومستشارو رئيس الحكومة وهم ثملون من وعود سفير الولايات المتحدة والمستوطنات في إسرائيل، دافيد فريدمان، وعدوا بـ "سيادة في يوم الأحد". سيمر الكثير من أيام الأحد دون حدوث ذلك. نتنياهو اضطر الى الاستجابة لضغوط ترامب بعد كل ما منحه الرئيس إياه في السنوات الاخيرة (الانسحاب من الاتفاق النووي ونقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان). ويبدو ايضا أن رئيس الحكومة في اعماقه يفهم سلم الأولويات الاستراتيجي الحقيقي. التحالف مع الدول السنية ضد إيران وبرعاية الأميركيين هو أمر مهم بما لا يقاس من فرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات، الذي كان يمكن أن يورطه مع المجتمع الدولي، وربما أن يشعل من جديد الساحة مع الفلسطينيين.
خيبة أمل اليمين الايديولوجي مفهومة. نتنياهو وعد في السابق بالضم، والآن هو يتراجع عنه مثلما حدث مع كثير من وعوده في السابق. ايضا في هذه المرة مثلما في السابق هو يحاول طمس ذلك بضباب من الوعود الزائفة التي لا ينوي تطبيقها. مع ذلك، منتقدو نتنياهو في اليمين يمكنهم فقط لوم أنفسهم. أولا، لم يكن لديهم سببب لتصديقه، استنادا الى تجربتهم الطويلة معه. ثانيا، حتى قبل بضعة ايام معظم رؤساء المستوطنين قالوا إنه يوجد في خطة الضم مخبأة وصفة لكارثة، ليس لأنها ستؤدي الى نظام ابرتهايد رسمي، بل لأنها لا تتضمن جميع الاراضي.
تقدير للاستخبارات العسكرية صدر مؤخرا أوضح أنه من اجل العودة الى التنسيق ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيلي فان السلطة بحاجة الى دليل علني على أن نتنياهو نزل عن شجرة الضم. وهذا الدليل تم تقديمه الخميس الماضي في تصريحات ترامب وكوشنر.
وبالنسبة للرئيس الأميركي يبدو أن ترامب حاليا يخسر في الاستطلاعات، 11 أسبوعا فقط حتى الانتخابات الرئاسية. ادارته فشلت بصورة مخيفة في معالجة ازمة الكورونا، التي تقضم بصورة كبيرة نسب تأييده. في الوقت المتبقي يصعب أن نراه يُحدث نتائج في الشرق الاوسط، في الجهد الذي يقوده الصهر والمستشار (كوشنر هو الشخص الذي فشل تماما في تنظيم الاستعداد الأميركي للكورونا، عندها ببساطة اختفى من الصورة).
ولكن من الجدير الانتباه الى خطوات نتنياهو. فميله الى السير بصورة متعرجة، يمينا ويسارا، حسب الحاجات السياسية هو أكثر من عقيدة ايديولوجية، وهذا الميل معروف حتى من ايام حكومته الاولى التي قبل فيها في البداية اتفاقات اوسلو وأجرى لقاءات ودية مع ياسر عرفات. مؤخرا اضيف الى صورة اعتباراته قيد أكثر تطلبا. الهدف الرئيسي، إذا لم يكن الوحيد، الذي يوجه الآن نتنياهو هو الحاجة الى التملص من ادانة في لائحة الاتهام التي تنتظره في ثلاث قضايا خطيرة.
في الأسبوع الماضي، تقريبا بصورة موازية لنشر الاتفاق مع الإمارات، نشر استطلاع آخر حول الانتخابات، الذي أشار إلى استمرار الهبوط الحاد في تأييد الليكود. في نفس الوقت تسربت من محيط نتنياهو تقديرات بشأن تفاهمات محتملة في الازمة مع ازرق ابيض، التي ربما تؤدي مع ذلك الى تأجيل نيته للذهاب الى انتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. في المؤتمر الصحفي الخميس الماضي اتبع نتنياهو خط متصالح نسبيا، نقي من الاستفزاز تجاه خصومه في الائتلاف وفي المعارضة. أذن حساسة تمكنت من التقاط حتى القليل من المديح لاسحق رابين المتوفي.
كل ذلك يمكن أن يمر، بالطبع بعد نهاية أسبوع آخر من قضاء الوقت الممتع مع العائلة في شارع بلفور. ولكن اذا لاحظ نتنياهو أن ترامب يتوقع منه المزيد من بادرات حسن النية السياسية وأخذ في الحسبان احتمالية أنه في كانون الثاني (يناير) القادم سينتظره في البيت الابيض جو بايدن، ربما سنسمع قريبا من القدس (المحتلة) نغمة جديدة. في هذه الحالة، المستوطنون يمكنهم أن يخرجوا من النفتالين الاتهامات التي تقول بأن عمق النزوح هو كعمق التورط القانوني.
في هامش الأمور يجدر أن نشير الى أن المفاجأة السياسية الحالية استلها نتنياهو من القبعة وحده. الخميس الماضي خرج من جلسة كابنيت الكورونا وهو ينثر تلميحات حول حدث ذو اهمية قومية سيعرف عنه المشاركون قريبا. رئيس الحكومة لم يكلف نفسه أن يبلغ مسبقا شركائه في ازرق ابيض بالاتصالات أو نتائجها. وزير الدفاع ووزير الخارجية عرفا عن الاختراقة الاستراتيجية قبل لحظة من معرفة الجمهور الإسرائيلي. على وزراء الليكود لا نريد الحديث مطلقا. هذا قطيع من الاغنام الخاضعة الذي كل دوره هو ترديد رسائل الحاكم ضد الجهاز القضائي وضد اليسار ووسائل الإعلام.