الأمير الحسن بن طلال ومبادرة التضامن والتكافل الإنساني

عبدالله توفيق كنعان
عبدالله توفيق كنعان
عبد الله توفيق كنعان* تنهض المجتمعات عندما تقوم في إدارتها على التخطيط العلمي الشامل، القائم على اعتماد استراتيجية منضبطة تراعي متطلبات التنمية الأساسية، ولا يكتسب المجتمع الحضاري صفته الإنسانية إلا إذا وضع في إعتباره أن جميع أفراده بإختلاف فئاتهم هم العينة المستهدفة لخططه، لتتشكل لدينا في النهاية القناعة بأن المنظومة التنموية المجتمعية سمتها الشمولية التي تتخطى الفردية لتشمل الجماعة . لذا فإن المفكر الوطني والقومي الإنساني هو صاحب الرؤية الواضحة، والقادر على اطلاق جُملة من المبادرات والمشاريع التي بمقدورها تحقيق الكثير من الأهداف والمكتسبات، ولقد حظي الأردن بقيادة وفكر هاشمي أصيل صاحب نظرة ثاقبة تنوعت طروحها السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية التي خدمت بها الوطن والأمة، تجلت مظاهرها في وقتنا الحاضر بالدور القيادي الانساني لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله في متابعة أزمة الكورونا وأوامره السامية بتدخل القوات المسلحة ( الجيش العربي) والأجهزة الأمنية في إدارة ومواجهة جائحة الكورونا، وقد قدم الأردن نموذجاً ناحجاً في ذلك، وفي سياق المبادرات الهاشمية المتواصلة جاءت المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله بعنوان " التضامن والتكافل الإنساني ضد وباء كورونا"، والتي أطلقها سموه مع مجموعة من علماء الأمة جددت نداء سموه السابق " التضامن ويقظة الضمير الإنساني"، وقد دعت المبادرة إلى ضرورة تشبيك وتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية من خلال البدء بمأسسة مشروع عالمية الزكاة الذي أطلقه سموه منذ عقود، بتشكيل مؤسسة عالمية للزكاة والتكافل الإنساني، ولا شك أن هذه المبادرة جاءت متكاملة في أبعادها النظرية والتطبيقية، حيث قدمت الزكاة نموذجاً مالياً اسلامياً عملياً يمكن اعتماده في تحقيق التكافل الإنساني. ان المدقق في مبادرة التضامن والتكافل الإنساني ومأسسة الزكاة، التي شرح سموه عنوانها العام بشكل مختصر جداً، نظراً لقصر مدة اللقاء التلفزيوني الذي تحدث خلاله عنها، يجد أنها انسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، تعبر عن قيمة الإنسان وكرامته السامية، ولسموه باع طويل في طرح المبادرات الانسانية، والتي أصبح لبعضها طابع عالمي، ففي خطاب لسموه أمام الدورة السادسة والثلاثين للجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 1981، اقترح سموه إنشاء نظام عالمي إنساني جديد، وهو الأمر الذي دعا الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت إلى تأسيس اللجنة المستقلة الخاصة بالقضايا الإنسانية الدولية (ICIHI) والمشاركة في ترؤسها من قبل الأمير الحسن بن طلال، وتمّ تبني التقرير النهائي للجنة على شكل قرار في الدورة الثانية والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1987م، وعلى الصعيد الوطني لسموه بصمة واضحة ساهمت في مسيرة النهضة الهاشمية المعاصرة لهذا البلد، فقد عايشت من خلال عملي بمعية سموه اطلاقه للعديد من المشاريع والخطط الاقتصادية التنموية الثلاثية والخماسية، اضافة للمشاريع التربوية والثقافية والاقتصادية وغيرها، وأنا على معرفة دقيقة بحرص سموه وإيمانه المطلق بأهمية الحفاظ على أمن واستقرار الوطن وسلامته. وتأتي منطلقات سموه الفكرية من مسألة مهمة وهي استشرافه للمستقبل، ومحاولة طرح الحلول القادرة على تجاوز التحديات المعاصرة التي تعاني منها الأمة العربية والاسلامية، مثل مشكلة اللاجئين والفقر والبطالة وغيرها، ونتيجة لوعي سموه بهذه الحالة الراهنة وتداعياتها الخطيرة، وبغية تخطيها كان الحل المقترح ينبع من صميم العقيدة الإسلامية من جهة، ومن الحاجة الإقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، وهو الدعوة لإنشاء المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل الإنساني، بإعتبار الزكاة الركن الثالث في الإسلام بعد الصلاة، وأبواب أنفاقها تشمل فئات مختلفة هي اليوم أكثر الفئات حاجة والأكثر تضرراً، في وقت أجمع فيه العلماء على مسألة جواز تعجيل دفع الزكاة لمدة عام أو عامين نظراً للظروف الطارئة، ولو قدر للصندوق العالمي للزكاة الذي طرح فكرته سموه لكان مقدار ما يوفره سنوياً حوالي (400) مليار دولار، من شأنه توفير موارد مالية هائلة يمكنها المساهمة في حل الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. إن مثل هكذا مبادرة متكاملة تقوم على إنشاء صندوق عالمي للزكاة، توجب على الأمة العربية والاسلامية ضرورة العمل السريع على تحقيقها، باعتبارها تتضمن العلاج الكفيل لحل العديد من المشكلات التي تعاني منها الأمة العربية والاسلامية، والمتابع لحيثيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي العربي والإسلامي يصطدم في حقيقة مثيرة للجدل وهي بقاء المبادرات والأفكار الجدية الناضجة غير منفذة، فإلى متى ستبقى المنظمات والمؤسسات في عالمنا العربي والاسلامي تنتظر طويلاً لإنشاء صندوق عالمي للزكاة ؟، فإذا لم تنطلق هذه المبادرة الإستراتيجية الفاعلة في مثل هذه المرحلة المعقدة والخطيرة التي تعيشها أمتنا في كل مناحي حياتها وبخاصة الاقتصادية والإجتماعية منها، فالسؤال متى...؟ *أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدساضافة اعلان