الأمير الحسن ودور اللغة العربية في بناء مشروعنا الحضاري الثقافي

عبد الله توفيق كنعان* تعتبر اللغة العربية من اللغات العالمية المتصلة بحالة ابداع حضارية مستمرة، وصاحبة رسالة انسانية عميقة الدلالات، فهي جزء من رسالتنا الروحية في مجال المعرفة والتنوع والتعايش والسلام، وكما قالت مساعدة مديرة اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية: « اللغة العربية بمثابة تذكير صارخ بضرورة التكاتف من أجل مد الجسور عوضاً عن بناء الجدران»، وهذا أمر طبيعي بوجود اكثر من 420 مليون شخص في العالم يرى أنها اسلوب للتعبير عن القيم الثقافية والفنية والاجتماعية والدينية والانسانية والمشاعر، كذلك الجمالية وذلك بإدراج منظمة اليونسكو الخط العربي في قائمة التراث الثقافي غير المادي، فضلاً عن كونها احدى اللغات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة. والمتمعن في المقال الجامع الذي دونه صاحب السمو الملكي الامير الحسن بعنوان: « اللغة العربية واستئناف مسيرتنا الحضارية»، يتلمس محاور جوهرية في كيفية وعي قيمة هذه اللغة واستشراف ابعادها الروحية والتربوية وصلتها الوثيقة بصناعة الفكر قولاً وعملاً، وبالطبع فإن المناخ الثري والجذور المعرفية للأمير الحسن هي حاضنة حقيقية لأمير عربي هاشمي يتصل نسبه بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وكلنا يعلم أن النبي الكريم حمل أمانة الوحي العظيمة وعليه نزل القرآن الكريم، وعلى لسانه كانت السنة النبوية المطهرة وأحاديثها التي تعلمنا منها ومن القرآن الكريم أمور الدين والدنيا، وكلاهما منهج وحجة في مجال فصاحة اللغة العربية ودلالتها في البناء والمعنى، اضافة الى الارث الهاشمي الثقافي المتصل من المؤلفات والمقالات والتوجيهات والرعاية الهاشمية الحريصة بأن تكون اللغة العربية بوصلتنا المعرفية في مسيرتنا الوطنية والقومية، هذه المسيرة التي تتزامن مع المئوية الثانية للدولة الأردنية والنهضة العربية الكبرى التي يواصل جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله قيادة وحمل رسالتها بحكمة. ان مقال سموه البليغ، دفعني للإشارة لمستوى الجدية والوعي الاصيل وعظمة الدلالات والاستنتاج والرؤية التي تضمنها، مما يجعل من مقال سمو الأمير استراتيجية جديرة بأن يتبناها كل معني بالثقافة من المؤسسات والأفراد، باعتبار طرح سموه جاء موضوعياً ارتكز على العلمية والنباهة والاحاطة بجميع الجزئيات والمحاور المتصلة بهذه اللغة العريقة التي ترتكز عليها وحدة الأمة التي نتطلع اليها لتنميتنا ومواجهتنا للتحديات المختلفة. وقد ربط سموه في المقال اللغة العربية بواقع حاجتنا لخريطة طريق ثقافية في وقت يتطلب منّا السعي الجاد بأن يعاد لهذه اللغة بريقها ومكانتها بين أجيال اشغلتها الاهتمامات المعاصرة والتقليد الحضاري عن التمسك بلغتها وارثها، الذي كان وما يزال منارة معرفية للكثير من الأمم التي استفادت وما تزال من الانتاج العلمي لحضارتنا العربية، خاصة التاريخ الخالد من أمهات الكتب والمدونات لكبار علماء الأمة التي استرشد بها العالم كله في نهضته المعاصرة. إن فهم المقال يتصل بالإطار الفكري الشامل الذي ينادي به سموه، ومنها دعوته قبل أيام في كلمته في المعهد الملكي للدراسات الدينية الى أن هناك حاجة ملحة للحفاظ على هويتنا والانطلاق نحو عصر المعرفة والتطور الذي نعيشه، تتمحور في ضرورة إيجاد مشروع ثقافي حضاري جامع يعيد لأمتنا العربية وحدتها في الوطن والمهجر ولمنطقتنا دورها الإنساني والحضاري. كما كانت مصدر إشعاع فكري طوال قرون متوالية عبر العصور، وكونها مركز ربط بين الشرق والغرب، لذا آن الاوان كما قال سموه لتطوير الأنظمة التعليمية والقوانين والتشريعات التي تحفظ التراث واللغة العربية في مجتمعاتنا المعاصرة. وعلى المستوى العالمي يجب العمل على تعزيز حضور اللغة العربية في الثقافة والأدب العالمي وتكثيف الحضور المعرفي العربي في شبكة البحث العالمية. إن مقال سموه في حقيقته رسالة ودعوة عظيمة على الصعيد الوطني والقومي يتصل بهويتنا العريقة ومكوناتها وحاجتنا نحو تفعيل حضورنا بين الأمم الناهضة المتقدمة، لذا فإنني على يقين بأن كل واحد فينا يستشعر الرغبة والأمل أن نستلهم ما جاء في مقال سمو الأمير بما يفيد برامجنا وخططنا المعاصرة. *أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان