الأنظار مسلطة على الصين لنزع فتيل الأزمة الأوكرانية

أحد المباني في العاصمة الأوكرانية كييف دمرها القصف الروسي.-(وكالات)
أحد المباني في العاصمة الأوكرانية كييف دمرها القصف الروسي.-(وكالات)

عواصم - يبدو أن الانظار تتجه راهنا نحو الصين مع تصاعد وتيرة الحرب على أوكرانيا، لنزع فتيل الازمة.
ويرى محللون أن الصين تملك الادوات والمقومات اللازمة لتقوم بدور يتجاوز دور الوساطة، فيما يجري راهنا، فغير العلاقة المتينة بين البلدين والزعمين الروسي والصيني، فللصين ثقلها المؤثر في العالم.اضافة اعلان
في السياق عبر الصحفي الأميركي المخضرم توماس فريدمان عن قناعته بأن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على وقف أزمة روسيا مع أوكرانيا، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة.
وذكر فريدمان، في مقال على صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أنه "مع مرور كل يوم، تصبح الحرب في أوكرانيا مأساة كبيرة للشعب الأوكراني، وتشكل كذلك تهديدا أكبر لمستقبل أوروبا والعالم بأسره".
وأوضح "إذا أعلنت الصين أنها ستنضم إلى المقاطعة الاقتصادية لروسيا - أو حتى تدين بشدة عمليتها غير المبررة لأوكرانيا وتطالبها بالانسحاب - فقد تهز فلاديمير بوتن بما يكفي لوقف هذه الحرب الشرسة، أو على الأقل وقفها بشكل مؤقت، بما أن روسيا لا تملك حاليا حليفا مهما غير الهند".
ويتساءل الكاتب ما الذي سيجعل الصين تتخذ هذا الموقف؟ يجيب فريدمان بالقول إن العقود الثمانية الماضية من السلام بين القوى العظمى كانت مفتاح النهوض الاقتصادي السريع للصين، ما أدى إلى انتشال ما يقرب من 800 مليون صيني من الفقر، مبرزا أن النمو الصيني المستمر يعتمد على استقرار الاقتصاد العالمي.
وكشف أن المفكرين الصينيين التقليديين يعتقدون أن أي حرب تضعف الخصمين الرئيسين للصين (أميركا وروسيا) يجب أن تدعمها بكين، لكن الحقائق الحالية تؤكد عكس ذلك.
وتابع: "تدرك الصين هذه الحقائق الجديدة، بمعنى أنه إذا سارت باتجاه انتزاع تايوان، فقد تواجه عزلة دولية كبيرة، مثل ما يحدث حاليا لموسكو"، معربا عن أمله في أن يظهر الرئيس الصيني كـ"زعيم عالمي حقيقي ويبدي معارضته لما يقع لأوكرانيا.. وفي حال اختارت الصين طريقا آخر، فإن العالم سيصبح أقل استقرارا وازدهارا".
وختم فريدمان مقاله بتوجيه سؤال للرئيس الصيني شي جين بينغ: "أي طريق ستختار؟"
إلى ذلك دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ، أمس إلى "أقصى درجات ضبط النفس" في النزاع الأوكراني، واصفا الأزمة بأنها "مقلقة للغاية".
جاءت تصريحات جينبينغ، في قمة بالفيديو مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس.
وكانت بكين رفضت إدانة الهجوم الروسي لأوكرانيا، فقد وقال جينبينغ إنه يريد "أن يحافظ الجانبان على زخم المفاوضات والتغلب على الصعوبات ومواصلة المحادثات من أجل تحقيق نتائج.. ومنع حدوث أزمة إنسانية واسعة النطاق"، بحسب ما أوردته محطة "سي سي تي في" الوطنية.
وأعلنت الصين أيضا أنها سترسل مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا.
وأول من أمس قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن الصداقة بين بكين وموسكو ما تزال قوية جدا رغم الإدانة الدولية للهجوم الروسي على أوكرانيا، فيما عرض مساعدة بكين في التوسط من أجل تحقيق السلام.
ورغم ما تعلنه الصين الا أن تساؤلات تدور راهنا بشأن موقفها مما يجرى، فرغم علاقتها الوثيقة مع موسكو إلا أنها لم تبد رسميا أي انحياز بل اتخذت مواقف أقرب إلى الوسطية ضمن ما اعتبره محللون "سياسة منتصف العصا" مراعاة لتحالفاتها ومصالحها.
فرغم البيان الصيني الروسي الذي صدر في 4 شباط (فبراير) الماضي عقب زيارة لفلاديمير بوتن إلى بكين شهدت إعلان " شراكة استراتيجية وصداقة بلا حدود" ورفض توسع حلف الأطلسي "الناتو"، جاءت تأكيدات وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، قبل أيام بضرورة احترام أراضي الدول وسيادتها بما في ذلك أوكرانيا مع وجوب التعامل بشكل مناسب مع مخاوف موسكو وهو النهج نفسه الذي اتبعته الصين خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014.
ويبدو أن الرقم هائل لحجم التبادل التجاري بين الصين وموسكو والذي تجاوز 140 مليار دولار، إضافة إلى العلاقات الوثيقة مع روسيا في مجالات الطاقة والتسليح والمواقف السياسية المشتركة في التصدي لما يسميانه كلا البلدين "الهيمنة الأميركية" تجعل الصين تحافظ على توازن "منتصف العصا".
في الجانب الآخر الصين تعد الشريك التجاري الأول لأوكرانيا وترغب بحسب مسؤوليها في الحفاظ على علاقات جيدة مع كييف.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" ساقت تحليل قالت فيه إن هناك مكاسب استراتيجية واسعة لبكين من الحرب الحالية، أولها أن فرضية احتمال انتقال عدوى موسكو إلى بكين في تعاطيها مع تايوان، أي شن حرب لاستعادتها، وكذلك إدراك الصين أنها ستكون هدفا للحلف الأطلسي مستقبلا مثلما هو الحال مع روسيا في الوقت الراهن، وأيضا تعزيز بكين علاقتها مع موسكو عبر شراكات وتحالف حيث تدرك رهان موسكو عليها للتقليل من تأثيرات العقوبات الاقتصادية.
ووفق محللين فإنه منذ زحفت القوات الروسية إلى أوكرانيا، سارت الصين فيما يسميه العديد من خبراء السياسة الخارجية على حبل مشدود دبلوماسيا، فهي مضطرة إلى مساعدة روسيا وليس لديها اهتمام كبير برؤية موسكو تنهار اقتصادياً، بينما تحاول التمسك بمبادئ سياستها الخارجية حول السيادة وكذلك محاولة منع علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا من الانهيار التام كون أن انفتاح الصين على واشنطن وحلفائها هو الذي دفع النمو الهائل لها في العقود الأربعة الماضية.
وفي عملية توازن بين قربها السياسي من موسكو ودفاعها التقليدي عن "سيادة وسلامة أراضي" الدول، رفضت بكين الموافقة على قرارين لمجلس الأمن والأمم المتحدة يدينان العملية العسكرية الروسية لكنها لم تصوت ضدّهما أيضًا بل لجأت إلى الامتناع عن التصويت.
ووفق تحليل للكاتب مو تشونشان كانت نشرته مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية المختصة بالشأن الآسيوي فإن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تفاعلات روسيا والصين في مواجهة الأزمة الأوكرانية.
ويرى مو تشونشان أن القلق الأميركي مفهوم، لكن يبدو أن بعض المسؤولين الأميركيين يخطئون في الحكم على العلاقات الصينية الروسية والسياسة الخارجية الأوسع للصين، فالصين وروسيا ليسا حليفين عسكريين، وبعبارة أخرى، عندما يكون أحد الجانبين في حالة حرب، لا يتحمل الطرف الآخر أي التزام تعاهدي أو قانوني بالمساعدة، وهذا يختلف تمامًا عن التحالفات العسكرية بين الولايات المتحدة وبلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لذلك، فإن الصين ليست ملزمة بدعم روسيا، والواقع أن الصين لم تدعم موقف روسيا علانيةً خلال أزمة القرم قبل 7 سنوات.
وفي إجابته عن السؤال المطروح، إذا كانت الصين ضد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فلماذا لم تنتقد بكين روسيا كما فعل الغرب؟ يوضح الكاتب انتقاد الصين العلني لروسيا سيضر بالعلاقة بين البلدين في ضوء الصداقة الصينية الروسية.
ويرى الكاتب أنه في هذا الوقت، يتعين على بكين إظهار التضامن، بدلًا من التأكيد على الاختلافات، فهذه مسألة تتعلق بالمكانة والمهارات الدبلوماسية، وستعبر الصين عن موقفها الحقيقي خلف الأبواب المغلقة.-(وكالات)