الأهمية الاستراتيجية للممرات البحرية في تجارة البترول الدولية

لهب عطا عبد الوهاب *

عمان- يعد الأمن البحري واحدة من أكثر العوامل أهمية في أمن الطاقة في عالمنا المعاصر اليوم ولا سيما أن أكثر من نصف الإنتاج العالمي من النفط يتم نقله عبر الناقلات والتي تصل إلى المستهلك النهائي عبر ما يسمى "نقاط الاختناق" وهي ممرات بحرية ضيقة يمكن أن تكون عرضة للانقطاعات لأسباب عديدة بما فيها القرصنة.
أهم المضائق البحرية في العالم
من أبرز نقاط الاختناق مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس وهي المضائق المتاخمة للعديد من الدول النفطية الخليجية ناهيك عن مضائق أخرى لا تقل أهمية منها على سبيل المثال مضيق ملقه في جنوب شرق آسيا ، وقناة بنما الثغر الحيوي في أميركا اللاتينية. إن نصف التجارة البحرية للبترول تمخر عباب هذه المضائق المحفوفة بالمخاطر.
مضيق هرمز/ملامح عامة
يعد مضيق هرمز الذي يقع بين سلطنة عمان وإيران والذي يربط الخليج العربي ببحر العرب ، أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم ، ويبلغ عرض المضيق 60 كیلومتر تعبره يوميا الناقلات النفطية العملاقة التي يزيد وزنها على 100 ألف طن ، والتي تصل في ساعات الذروة إلى ناقلة واحدة كل 6 دقائق أي بمعدل يومي وقدره 300 ناقلة . وتشير آخر البيانات المتاحة إلى تدفق أكثر من 17 مليون برميل يوميا عبر المضيق في نهاية العام 2020.
ويمثل حجم النفط الذي عبر المضيق العام 2020 ما يعادل تقريبا 35 ٪ من تجارة البترول البحرية، وهو يعادل كذلك 20 ٪ من إجمالي التجارة البترولية في العالم. وتعد قارة آسيا الوجهة الجغرافية الرئيسة للنفط العابر من خلال المضيق إذ استأثرت بأكثر من 85 ٪ من الصادرات البترولية ، كانت حصة الأسد فيها للأسواق النفطية في اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية.
إغلاق المضيق والبدائل المتاحة
ثمة مخاوف من قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط ، وهو ما جعل دول الخليج العربي المصدرة للنفط تفكر جديا في استخدام خطوط الأنابيب كبديل لذلك .
( 1 ) المملكة العربية السعودية : إن أحد الخطوط البديلة في حال إغلاق المضيق هو خط Petrolineوالمعروف أيضا بشبكة أنابيب الشرق الغرب ، وبطول 757 میلا والذي يربط أبقيق في الشرق بميناء ينبع على البحر الأحمر وبطاقة استعابية قدرها 5 مليون برميل يوميا ( 2 ) الإمارات العربية المتحدة : انتهت الإمارات مؤخرا من تشغيل خط أنابيب لنقل النفط من حقول حبشان في إمارة أبوظبي الواقعة إلى غرب الخليج ، إلى مرفأ الفجيرة على خليج عمان شرقا دون المرور في مضيق هرمز وبطاقة تصل إلى 1,4 مليون برميل يوميا ، يمكن زيادتها إلى 1,8 مليون برميل يوميا كحد أقصى ، الأمر الذي سيتيح تصدير 70 % من إنتاج الإمارات النفطي عبر الفجيرة دون المرور بمضيق هرمز كخطوة احترازية لمواجهة أي توقف مفاجئ في المضيق .
( 3 ) العراق : سيتحمل العراق بشكل كبير وزر إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية ولاسيما أن أكثر من 90 ٪ من صادراته النفطية تتم عبر الخليج العربي - في المقابل فإن صادراته من المنافذ الشمالية ( كركوك ) عبر ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط لاتمثل سوی 10 ٪ من إجمالي صادراته النفطية . وهناك محاولات جادة لإعادة إحياء عدد من الخطوط المعطلة منها خط بانياس على ساحل البحر المتوسط ، بيد أن ما تشهده سورية اليوم من قلاقل تحول دون تحقيق ذلك في الوقت الراهن . كما أن إعادة إحياء الخط الممتد إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر والتي تصل طاقته الاستيعابية إلى 1,650 مليون برميل يوميا والمغلق منذ غزو الكويت العام 1990 ، هو الآخر بعيد المنال حاليا لما يعتري العلاقات العراقية السعودية من فتور رغم التحسن النسبي ولا سيما بعد اعتلاء الدكتور حيدر العبادي سدة الحكم والذي توج بإرسال السعودية مبعوث دائم لها كأول سفير لها في العراق منذ حرب الخليج العام 1990 إيذانا ببدء صفحة جديدة من العلاقات التي سيكون لها أثر بالغ في تنسيق السياسات النفطية للبلدين داخل أروقة منظمة الأقطار المصدرة للبترول « أوبك » .
ويستخدم العراق بشكل محدود أسطوله من الصهاريج لنقل النفط إلى الأردن والتي يمكن زيادة عددها كأحد البدائل المتاحة في حال إغلاق المضيق أمام الملاحة الدولية . وهناك مذكرة تفاهم بين البلدين لإنشاء خط أنابيب يصل مدينة حديثة العراقية بميناء العقبة على البحر الأحمر وبطاقة تصديرية تصل إلى مليون برميل يوميا ومن المؤمل أن يدخل الخدمة أواخر العام 2022 .
( 4 ) مد أنبوب نفط خليجي إلى موانئ اليمن : إعادة التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ، أعادت إلى الواجهة من جديد فكرة مد أنبوب نفط من الأراضي السعودية ودول خليجية إلى موانئ اليمن جنوبا لتأمين صادرات النفط الخليجية . ويستهدف المشروع المقترح مد خط أنابيب لمسافة تتراوح بين 350 و400 كیلومتر في منطقة الربع الخالي جنوب السعودية إلى ميناء المكلا في محافظة حضرموت.
الطموحات الإيرانية في مياه الخليج العربي:
إن التهديد الإيراني بإغلاق المضيق والتي تلوح به إیران بین آونة وأخرى ، ينظر إليه البعض من المراقبين باعتباره (جعجعه ) يراد منها كسب تأييد الجماهير الإيرانية . ومن الناحية العملية ، فإن لدى إيران القدرة العسكرية على خلق قدر كبير من الاضطراب في مضيق هرمز وذلك على المدى القصير من خلال توظيف واستخدام الفرقاطات والزوراق الحربية الصغيرة ذات السرعة الفائقة والمزودة بالصواريخ إضافة إلى قدرتها على تلغيم الممرات مما يعوق الانسياب السلس للسفن العابرة ، ما يعيد للأذهان حرب الناقلات التي اندلعت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي إبان ذروة الحرب العراقية - الإيرانية .
بيد أن قدرة إیران على إغلاق المضيق لفترات زمنية طويلة لن يكتب لها النجاح لأسباب عدة ، بالرغم من امتلاكها لثلاث غواصات روسية الصنع ، منها التواجد الكثيف للأرمادا الأميركية في الخليج إذ يتخذ الأسطول الخامس الأميركي كما هو معروف من البحرين مقرا له ، هذا ناهيك عن القواعد العسكرية المساندة في المنطقة كقاعدة عيديد الجوية في قطر ( مقر القيادة المركزية الوسطى للولايات المتحدة ).
إلى ذلك فإن إغلاق المضيق سيثير حفيظة حلفاء إيران الآسيويين ولاسيما الصين العضو الدائم في مجلس الأمن والتي تعتمد بشكل كبير على وارداتها النفطية الإيرانية .
ومع تشديد دول الاتحاد الأوروبي من عقوباته الاقتصادية على إيران لتطال وارداتها من النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية ، على أمل أن ترعوي إيران في مواجهتها مع الدول الكبرى بما في ذلك الاستجابة لرغبات المفتشين في وكالة الطاقة الذرية IEA مع إصرار إيران على أن برنامجها النووي مسخر بالكامل للأغراض السلمية ما سيدفع بإيران للبحث عن بدائل جغرافية أخرى ، علما بأن صادرات إیران إلى أوروبا لا تزيد على 450 ألف برميل يوميا أو مايعادل أقل بقليل من 20 ٪ من إجمالي صادراتها.
تجارة النفط البحرية في الشرق الأوسط:
رغم ما تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من اضطرابات بدءا من الربيع العربي العام 2011 مرورا بالعمليات الإرهابية لداعش ، الذي روع أمن المواطنين ، بيد أن الممرات البحرية ولاسيما قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق باب المندب ظلت مفتوحة أمام الملاحة الدولية غير آبهة بما يجري من حولها من صراعات وقلاقل.
أسباب عديدة تحول دون إغلاق إيران لمضيق هرمز:
أولا: إن 80 % من الدخل القومي الإيراني يعتمد على مبيعات النفط التي تصدر عبر المضيق إلى الصين والهند ودول آسيا الأخرى، وإن إغلاق المضيق سيعني توقف الصادرات الإيرانية كليا.
ثانيا: احتمال أن يؤدي إغلاق المضيق إلى نقص في الإمداد النفطي أو أن يرفع أسعار النفط بمعدلات كبيرة أمر مستبعد ، إذ إن السعودية ودول الخليج الأخرى التي يمر نفطها عبر المضيق اتخذت الاحتياطات اللازمة لذلك منذ مدة .. فالسعودية مثلا رفعت منذ مدة معدل الإنتاج إلى فوق 10 ملايين برميل يوميا والطاقة الإنتاجية الفائضة فوق 2,5 مليون برميل يوميا ، أي أنها تستطيع حاليا إنتاج 12,5 مليون برميل يوميا ، هذا على صعيد الإنتاج والطاقة الإنتاجية.
ثالثا : لا ترغب إيران في الدخول مع الولايات المتحدة في نزاع عسكري ، لأنها ستخسر لا محالة . كما أن مخاطر مثل هذا النزاع قد لا تنتهي فقط بإعادة فتح مضيق هرمز وربما تمتد إلى داخل إيران لضرب المفاعلات النووية وتغيير النظام الحالي نفسه أو تحطيم كامل المقدرات الإيرانية على أقل تقدير .
رابعا : يلاحظ أن 85 % من صادرات النفط الإيرانية تتجه إلى آسيا ، خاصة الصين التي تستورد أكثر من 50 % من النفط الإيراني المصدر . وإغلاق مضيق هرمز سيقود إلى الإضرار بإمدادات النفط الصينية التي تقف دائما في مجلس الأمن ضد القرارات المعاقبة لإيران .
خامسا : إغلاق المضيق سيزيد من حدة الغضب الدولي ضد حكومة طهران وسيرفع من حدة العداء مع جيرانها في الخليج .
سادسا : يلاحظ أن الاستعداد والتنسيق الدولي لمواجهة إقدام إيران على إغلاق المضيق والتأثير على أسواق النفط العالمية وصل إلى مرحلة متقدمة بين كبار المنتجين والمستهلكين ، فهنالك ملايين من البراميل العائمة في البحار والمخزنة في مناطق قريبة من أسواق الاستهلاك الرئيسية مثل جزر البهاما القريبة من السوق الأميركية وسنغافورة القريبة من الأسواق الآسيوية .

اضافة اعلان

*إقتصادي متخصص في شؤون الطاقة