الإبداع تؤسس له القراءة

يدرك المجلس التنفيذي لحكومة دبي في إعداد ومتابعة خطة "دبي 2021"، أن نجاح الخطة يعتمد على إنسان فاعل، قادر على استيعابها وتمثلها وإنجاحها. وفي ورشة العمل التي تُعقد اليوم، ستناقَش مسألة القراءة باعتبارها مكونا ضروريا للإنسان للارتقاء بالذات، وعملا متواصلا لأجل التطوير والإبداع على المستوى الفردي والمؤسسي؛ فليس ممكنا استيعاب التجارب والاطلاع عليها والإضافة إليها، من غير اطلاع واسع وعميق، وقراءة حقيقية وجادة تكون جزءا من العمل ومن التكوين الذاتي.اضافة اعلان
يمكن بناء الخطط والمشروعات والتصورات المؤسسة للنجاح والإبداع، ولكنها خطط لن تعمل من غير إنسان قادر على استيعابها وتنفيذها.. ونقدها وتطويرها أيضا. وبذلك، فإننا نتحدث عن الإنسان القارئ الذي يعلّم نفسه باستمرار، ويرقى بها. فالمواطنة تقتضي، بالضرورة، القدرة على المشاركة في العمل، وفي الولاية على الموارد، والجدل العام والمؤسسي حول السياسات والتشريعات والقدرة على التأثير فيها. لقد انتهت مرحلة تقديم الخدمات ووضع السياسات في معزل عن مشاركة ومسؤولية الأفراد والمجتمعات، في التعليم والصحة والتقدم والتنمية والتكامل الاجتماعي، إذ هي اليوم قضايا يتشارك في إدارتها وتنظيمها والولاية عليها والمسؤولية تجاهها الحكومات والمجتمعات والأفراد والشركات، ولم يعد واردا أن تتولى الحكومات كل شيء نيابة عن الأفراد والمجتمعات. ولا يمكن، بطبيعة الحال، التوازن بين الأفراد والمجتمعات وبين الشركات والأسواق، من غير فاعلية للأفراد وقدرة على التأثير والمشاركة. فالشركات اليوم تتولى تقديم خدمات أساسية وحيوية للأفراد والمجتمعات، مثل الاتصالات والماء والطاقة والتعليم والتدريب والسلع الأساسية والكمالية، ولا يمكن التأثير في اتجاهات الأسواق والخدمات باتجاه العدالة والجودة والكفاءة، من غير مستهلك متقدم في وعيه ومعرفته وقدرته على التقييم والتأثير، وإلا فإن المجتمعات والأفراد سيكونون ضحية للاحتكار وضعف المستوى والتراجع في الخدمات ومن ثم في مستوى الحياة والتنمية.
ثمة حالة سائدة ليست نهائية وليست المشهد كله، تعكس عدم مواكبة الإنسان العربي للمعرفة واطلاعه الجاري والمستمر عليها، وعدم إنتاج المعرفة أيضا. فحركة النشر والتأليف والترجمة تبدي خللا في الاتجاهات والانتشار. ولكن يمكن الحديث أيضا عن حركة ترجمة واسعة ورائدة اليوم. ومؤكد أن الترجمة تتيح الاستيعاب وتؤسس للتأليف والمشاركة في المعرفة.
وفي موجة التطرف والكراهية التي تعصف بعالم العرب والمسلمين، تتزايد الحاجة والضرورة لنشوء فكر نقدي، ومراجعة حقيقية لأفكارنا وأوضاعنا، وأن نكون جزءا من العالم، نتقبله ويتقبلنا. لقد أصبحت المشاركة العالمية المعرفية والإبداعية ضرورة لتلافي الانحسار والانقراض، ولنجعل العالم يفهمنا ونفهم العالم. ففي مواصلة العزلة المعرفية لم نعد نعاني فقط من التطرف والتراجع، ولكننا مهددون أيضا في وجودنا ووعينا لأنفسنا وللعالم من حولنا.
هكذا، فإن المواطن القارئ والناقد هو حجر الأساس في الارتقاء الفردي والمؤسسي أيضا. يقول عالم النفس إريك فروم: "بودي أن أقول إن على المرء أن يبدأ بالقراءة، وبقراءة الكتب المهمة، وبقراءتها بجدية. ولديّ الانطباع بأن المنهج الحديث في القراءة هو منهج توجّهه الفكرة القائلة بأن على المرء ألا يبذل الكثير من الجهد، فيجب أن تكون سهلة، ويجب أن تكون مختصرة، ويجب أن تكون ممتعة على الفور، وحتماً هذه أوهام كلها. فما من شيء مفيد يمكن أن يعمله المرء أو يتعلمه من دون أي جهد، ومن دون بعض التضحية، ومن دون تدريب".