الإخوان، حماس وقرار فك الارتباط

يبدو الانفتاح الرسمي الجديد على كل من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس مختلفا بشروطه ومحدداته عن السنوات السابقة. ولعلّ إحدى أبرز القضايا التي تشكل محكاً رئيساً في تحديد مستقبل هذه العلاقة وآفاقها القادمة هي تلك المنطقة "الرمادية" التي ماتزال في خطاب كل من الإخوان وحماس حول قرار فك الارتباط الإداري والسياسي الأردني مع الضفة الغربية.

اضافة اعلان

أهمية هذه القضية تكمن في هذه اللحظة التاريخية تحديداً، إذ تشهد تدهوراً في عملية التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعودة أصوات إسرائيلية وأميركية تدعو إلى تحميل الأردن الضفة الغربية وإلغاء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة القادرة على الحياة، مع إدراك أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تكون مستعدة للولوج إلى تفاصيل هذه التسوية قبل مرور عامين على أقل تقدير.

حتى لو تجاوزنا تلك الأصوات الدولية؛ فإنّ ما يجري على أرض الواقع اليوم يدفع إلى الخيار الأردني بصورة متسارعة. ففضلاً عن عدم جاهزية إسرائيل لأي اتفاق سلام، فإنّ الشرخ السياسي الفلسطيني بين الضفة وغزة، وتجسُّد حقيقة وجود سلطتين ليستا فقط منفصلتين، بل متحاربتان، يدفع بخيار الدولة الفلسطينية خارج المشهد القادم. والأخطر أن ذلك يزيد من حالة الإحباط واليأس لدى المواطن الفلسطيني، ما قد يدفع إلى القبول بأية "مخارج جانبية" تلبي حقه في حياة طبيعية إنسانية.

إذن، نحن أمام مرحلة تاريخية حرجة وحساسة بالنسبة للأردن ترتبط بجوهر أمنه الوطني، ليس فقط في الشأن الخارجي، بل في الداخلي أيضاً. وعليه فإنّ أية علاقة إيجابية مطمئنة للأردن مع الإخوان المسلمين (باعتبارهم القوة السياسية الأكبر في الساحة) وحركة حماس (باعتبارها الرقم الصعب في المعادلة الفلسطينية) تقوم على الإجابة على سؤال قرار فك الارتباط، لما يتضمنه الجواب من موقف واضح حول مخططات إلحاق الضفة الغربية بالأردن.

على صعيد حركة حماس؛ فإنّ انسداد مشروع التسوية سهّل فتح الحوار مرة أخرى مع الأردن. إذ إنّ المطلوب من الحركة ليس الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية (كما كانت تطالب أردنياً لدفع خيار الدولة الفلسطينية للأمام)، بل تقديم موقف واضح وصريح برفض إلحاق الضفة الغربية بالأردن. ولعلّ السند القانوني الرئيس دولياً لهذا الموقف يتمثل بإعلان إقرار الحركة تاريخياً بقرار فك الارتباط.

في المقابل؛ فبرغم الاحتضان الرسمي الأردني للرئيس عباس وجملة التفاهمات بين الطرفين، وانهاء التنافس والصراع التاريخي بينهما؛ إلاّ أنّ تدهور قوة عباس وظهور الأجنحة المتصارعة في حركة فتح، وبروز "نخب البزنس" في السلطة.. كل هذه العوامل تدفع إلى التوجس والقلق الأردني من سهولة تمرير مشروع عودة الضفة الغربية إلى الأردن خلال المرحلة القادمة، مع وجود "لوبي فلسطيني" مؤيد لذلك، بخاصة أنّ هنالك مخاوف "فتحاوية" من عدم القدرة على مواجهة حماس حتى في الضفة الغربية، ومن انهيار السلطة الفلسطينية وتضرر مصالح هذه النخبة في هذه الحالة، بل وشعورها بتهديد على أمنها الشخصي.

على صعيد جماعة الإخوان المسلمين؛ فإنّ دواعي إعلانها الحاسم بقرار فك الارتباط يأتي لتمتين الجبهة الداخلية وتحفيزها لمواجهة أية مشروعات لإلحاق الضفة الغربية من ناحية، ولأن الجماعة تمثل شريحة واسعة من الأردنيين (من أصول فلسطينية) ما يدفع إلى تقوية موقف هذه الشريحة وتصليبها ضد تلك المشاريع.

تكمن المشكلة أنّ الموقف من قرار فك الارتباط مايزال "رمادياً" لدى الإخوان، وهنالك تضارب في خطابات الجماعة ومواقفها. فتيار الصقور أعلن مراراً، ومايزال، رفضه للقرار وإيمانه بـ"وحدة الضفتين". وإذا كان هذا الموقف سابقاً موضع ترحيب من قبل النظام فقد اختلفت الأمور مع المرحلة الحالية وأصبح الإصرار على هذا الموقف بمثابة اختراق سياسي خطر وحساس للساحة الداخلية.

في المقابل؛ تصدر بعض التصريحات من قادة تيار الوسط في الجماعة توحي بالقبول بقرار فك الارتباط ضمنياً. وقد سبق أن أعلن سالم الفلاحات (المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقاً) هذا الموقف في مقابلة صحافية. وعاد حزب جبهة العمل الإسلامي وأصدر بياناً رفض فيه مشاريع الكونفدرالية والفدرالية والوحدة مع الضفة الغربية قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة موحدة معترف بها.

وفي حديث خاص مع د. ارحيل غرايبة، نائب أمين عام جبهة العمل الإسلامي وعضو المكتب التنفيذي في جماعة الإخوان، وأحد أبرز رموز الحركة الإسلامية، فإنه يعترف بوجود "منطقة رمادية" بدرجة "ما" في خطاب الإخوان، بخصوص قرار فك الارتباط، لكنه في المقابل يؤكد أنّ هنالك اتفاقاً داخل الحركة الإسلامية على رفض أية أشكال للوحدة بين الضفتين قبل قيام الدولة الفلسطينية التي تمتلك سيادتها الكاملة، حتى لا تكون هذه الوحدة على حساب كل من الفلسطينيين والأردنيين، أو خدمةً للمشروع الصهيوني أو تمريراً للحل على حساب الأردن.

برغم التصريح القاطع لغرايبة يبقى هنالك فراغ قانوني في موقف كل من الجماعة وحركة حماس ينتهي بإعلان رسمي وعلني واضح باعتماد قرار فك الارتباط في تصور الحركتين ومواقفهما. وبتقديري فإنّ مثل هذا الإعلان يخدم، بصورة كاملة، الانفتاح الرسمي ويزيل أي إبهام أو غموض في موقفهما.

[email protected]