الإدارة العامة: الاعتراف بالمشكلة أولا

دعونا نعترف أن هناك مشكلة حقيقية في الإدارة العامة الأردنية عنوانها حالة الإنكار والتبريرات غير المقنعة وغياب المنهجية في التعامل مع التحديات وبالرغم من الحديث الدائم للحكومات في بياناتها الوزارية عن التطوير الإداري واعتماد المؤسسية كعنوان أساسي له وإقامة المؤتمرات وبرامج التطوير والجوائز، إلا أننا ما نزال نتعامل بذات الأدوات التي لم تفترق كثيراً عن تلك التي استخدمت قبل حدوث ثورة الاتصال والحكومات الإلكترونية، وربما لا تختلف عما كان سائداً منذ نشأة الدولة. هناك مئات آلاف الموظفين ومئات الآلاف غيرهم ينتظرون الوظيفة العامة بالرغم من تواضع الدخل المتأتي، لشعورهم بأنها توفر الأمن والاستقرار. يصاحب ذلك حالة إحباط تعززت في السنوات الأخيرة مصدرها لجوء الحكومات لتعبئة الشواغر القيادية من خارج الجسم الحكومي، ما يطرح سؤالاً حول فكرة الانتماء الوظيفي وغياب الدافعية، طالما أن الجهد والعطاء سيكون عبثياً وأن النتائج سيجنيها أصحاب النفوذ والعلاقات الشخصية من خارج القطاع الحكومي، والتبرير الحاضر أن مصلحة العمل تستدعي وجود شخص يحمل مؤهلات غير متوفرة في جهاز حكومي قوامه مئات آلاف الموظفين. هذا لا يقلل أبداً من أن الإدارة الأردنية شكلت في مرحلة تاريخية بيوت خبرة يشار إليها بكثير من التقدير والاعتراف بكفائتها وساهم منتسبوها في تطوير القطاعات الحكومية في العديد من الأقطار العربية وخصوصاً دول الخليج العربي في بداية نشأتها؛ ولكن هذا الأمر تغير وأضحينا بحاجة لمن يطور منظومتنا الإدارية من تلك الدول ذاتها كما حصل مع دولة الامارات وهذا مؤشر واضح لما وصلنا إليه. أولى خطوات التعامل مع تراجع الإدارة العامة بكل مفاصلها هو الاعتراف بالأسباب التي أدت لذلك. وأولها أن الدولة أخفقت في تعريف مفهوم الوظيفة العامة بأنها ليست مجرد فكرة استيعاب الخريجين من الجامعات والمعاهد والباحثين عن فرصة للعمل والعيش – على أهمية هذا الأمر باعتبار الحصول على وظيفة حق كفله الدستور- بل الأصل فيها تقديم الخدمة الحكومية بفعالية وكفاءة ونزاهة مطلقة وبما يتناسب مع احتياجات الجهاز الحكومي وضمن معايير تضمن العدالة لكل الأردنيين، علماً بأن نسبة العاملين في القطاع العام وحسب دراسات حكومية ما تزال ضمن المسار الآمن وهو خلاف ما يروج له بعض المسؤولين بأنه من الأعلى عالمياً. فعلياً ساهمت السياسات الحكومية وثقافة المجتمع منذ زمن بعيد في الإعلاء من قيمة الوظيفة التقليدية حتى اكتسبت هذه الجاذبية على حساب العمل المهني. رافق ذلك فائض من الكلام عن أهمية التعليم التقني دون ترجمة ذلك عملياً ببرنامج وطني لا يدعو للتعليم التقني بل يفرضه من خلال التعليم المدرسي وكليات المجتمع التقنية ويكون هذا الامر بخلق ميزات لكل من يتجه لمسار التعليم التقني والمهني، وليس فقط الحث عليه في المؤتمرات والندوات والتعهد بإنجازه في البيانات الوزارية؛ إذ لا يعقل أن يستوعب سوق العمل الأردني مليون عامل وافد في قطاعات السياحة والصناعة والبناء وعاملات المنازل وما يزال الحديث عن ارتفاع نسب البطالة حتى بين من يملكون مستوى تعليمياً متواضعاً. اليوم تكبر أزمة الحصول على الوظيفة العامة ككرة الثلج وتزداد حالات الشكوى والتذمر من العاملين في مختلف دوائر الدولة والاحساس بأن المؤسسات تدار بعقلية الرجل الواحد الذي يملك المؤسسة ويقرر سياستها ومن يبقى ومن يغادر ومن يتقدم في الموقع الوظيفي وهي بالتأكيد أزمة عميقة تحتاج مقاربة جدية بعيداً عن القوالب التقليدية التي أثبتت عدم جدواها، فهل تتعامل الحكومة مع هذه الأزمة الحقيقية بعيداً عن سياسة التأجيل والمسكنات والترضيات المؤقتة؟اضافة اعلان