الإرادة السياسية والدينية للقضاء على العنف ضد المرأة

إيمان عارف العتيبي

لا يوجد للعنف في أي حال من الأحوال ما يبرره، فهو غير مقبول إنسانيا ودينيا وعقائديا وفكريا، سواء أكان مصدره الدولة أو وكلاؤها أو أعضاء الأسرة. ومن أشد أنواع العنف تأثيرا على المجتمع العنف ضد المرأة؛ لما له من آثار سلبية على المدى القريب أو البعيد، فالعنف ضد المرأة له عواقب بعيدة المدى عليها وعلى أطفالها وأسرتها، وعلى المجتمع المحلي وعلى المجتمع الكبير بأسره. ولا ينبغي الاستمرار به أو السكوت عنه، إذا ما أردنا بناء مجتمعات مسالمة تؤمن بالاستقرار العائلي والمجتمعي والسلم الأهلي والتنمية المجتمعية.اضافة اعلان
فلو تأملنا المكانة الرفيعة التي بوأها الإسلام للمرأة وتركيزه على سمو دورها، لعرفنا سبب التكريم الذي حازت عليه من قبل رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف أنَّ الحكام المسلمين، عبر العصور، احترموا وقدروا دور المرأة في كل جوانب الحياة أما وأختا وزوجة وعالمة وأديبة وقائدة ومفكرة وراوية للأحاديث النبوية الشريفة، وكرموها بشكل لا مثيل له على مر تاريخ العالم لا في ماضيه ولا في حاضره، فما كان منها إلا أن أبدعت في كل المجالات، ولا غرابة في ذلك؛ فالتقدير يولد الإبداع، وما أجمل الصورة التي رسمها أمير المؤمنين علي عليه السلام للمرأة؛ حيث قال: (المرأة ريحانة). وعلى المجتمع الإسلامي اعتبارها ريحانة والتعامل معها على هذا الأساس في شتى مجالات الحياة، وما أروع دقة وجمال التصوير في تعبير أمير المؤمنين ومطابقته لطبيعة المرأة وتكوينها وتركيبها النفسي والعاطفي والبدني، وما يتضمنه من احترام وتقدير لعطائها ودعوة لإعطائها المكانة التي تستحقها في المجتمع من دون مساس بحقها.
إن من التحديات التي تواجه المرأة وتقدمها؛ المغالطات التي يحاول خصوم الفكر الإسلامي، أو الذين اختلطت عليهم المفاهيم فتغلّب الخلط وسوء الفهم، وعدم التمييز بين ما هو إسلامي يقوم على أسس القيم والمبادئ الإسلامية وبين ما هو عادات وتقاليد اجتماعية سلبية طرأت على بعض المجتمعات الإسلامية الحديثة، والتي تتناقض وروح الإسلام ومبادئه ومنهاج تنظيمه للمجتمع وأسس العلاقة بين الرجل والمرأة، فراحوا ينسبون عن جهل أو عمد كل ما يشاهدونه في مجتمع المسلمين من ممارسات خاطئة الى الإسلام. ولا بد لنا أن ندرك أن هناك فرقا بين مجتمع المسلمين القائم الآن، وبين المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يقوم على أساس الإسلام. وأن هذا السلوك السلبي في بعض المجتمعات الإسلامية جزء من التخلف العام في مجال العلم والمعرفة والتنمية والتصنيع والصحة..الخ.
وهذا يقودنا لأهمية الإرادة السياسية والدينية والالتزام على أعلى المستويات والتعاون في القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة، لجعله ذا أولوية على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي والدولي. وأنوه هنا إلى ما تتضمنه الإرادة السياسية من خطط عمل وتشريعات ومخصصات وموارد لدعم آليات معالجة العنف ضد المرأة على كل المستويات وبذل الجهد للتغلب على الإفلات من العقاب، وإدانة الناس لهذا العنف، والدعم المستمر من قبل أصحاب القرار والرأي والفكر لكل جهد يرمي للقضاء عليه، إضافة إلى توفير البيئة الحكومية المنسقة والداعمة والمتعاونة.
ولا بد من الإشارة إلى أهمية التعليم على كل المستويات، فعلينا أن نهتم بتعليم المرأة كما نهتم بتعليم الرجل وربما أكثر، وتشجيعها ودعمها للحصول على الدرجات العلمية التي تؤهلها للإبداع والعطاء واستدامة هذا الدعم ليصبح منهجا متبعا، فالمرأة هي التي تربي الأولاد وتصنع الرجال وتقف وراء النجاحات، فليس المطلوب منها أن تربي الولد جسدياً فقط، بل عقليا وعاطفيا ووجدانيا، فكلما تمتعت بالاستقرار والتقدير وتسلحت بالعلم والمعرفة كانت قادرة على بناء الأجيال بناء صحيا بعيدا عن سلبيات الحياة. والمرأة التي تتحلى بالأخلاق الدينية والثقافة تعرف كيف تدير علاقتها بمجتمعها وبيتها والتي تبدأ بقدرتها على إدارة علاقتها مع الأسرة.
فهل سنلمس تغيرا سياسيا وخطابا دينيا لننعم بمجتمع خال من العنف ضد المرأة التي هي نواة الأمان والاستقرار؟