الإرهاب: العلامات والأدلة والرموز

د. سعود الشرفات*

تستبطن وتنتشر العلامات والدلالات والإشارات والرموز كالذرات في الكون، وفق ما يقول علماء الاجتماع واللغة والنقد الثقافي.اضافة اعلان
وكل إشارة أو رمز (حسب السيميولوجيا) مهما خاله الإنسان خافيا ويستبطن، يبوح في نهاية المطاف عن معنى ورسالة، ومحاولة إعادة خلق معنى ووعي جديدين، و-ربما- البحث عن الشرعية في تمثيل قضية محددة تتنوع من محاولة إقامة خلافة، أو استقلال منطقة أو إقليم، أو تبني قضية اجتماعية وسياسية، أو قضية قومية.
من هذا المنطلق، فإن الزي، وأنواع الطعام والشراب وطريقة إعدادهما وتقديمهما، كما الحفلات وأنواع الموسيقى، وطرق وأساليب الحديث والخطابة، وأساليب الحياة كافة القديمة والمعاصرة، هي إشارات ودلالات ورموز، لكنها متوارية بطريقة مشفّرة، وتحتاج إلى تفكيك وتحليل واستجلاب عميق لفضح خطابها المشفر.
ما دفعني لهذه المقدمة، هو محاولة استجلاء الكيفية التي تستحضر بها الجماعات والتنظيمات الإرهابية في العالم، قديمها وحديثها، الشعارات والرموز، ودفعها إلى مشهد الأحداث اليومية لتصبح علامتها الفارقة والدليل والمؤشر عليها، في ظل ثقافة الصورة المسيطرة في الحقبة الحالية من العولمة في وسائل الإعلام العالمية، من خلال استخدام "السيميولوجيا"؛ علم الدلالات والرموز.
ويستطيع المتابع رؤية أن كل الجماعات المتطرفة والإرهابية تملك نوعا معينا من الرموز: أعلام ورايات، وشعارات، وملصقات حديثة تدل عليها. وهي تريد من الآخرين أن يميزوها من خلال هذه الرموز لتكون في النهاية جزءاً من الأشكال الاجتماعية المنتجة للأفعال ومحاولة وعي جديد.
وتتنوع هذه الرموز والدلالات؛ فهناك الدينية، مثل علم تنظيم "داعش" الأسود الذي يقال إنه راية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم منظمة كاخ الإسرائيلية؛ نجمة داوود وقبضة اليد. وهناك القومية، مثل شعار منظمة "إيتا" (التي تعني باللغة الباسكية "أرض الباسك والحرية") التي تنشط في فرنسا وإسبانيا؛ الأفعى والبلطة. كما هناك رموز الجماعات الدينية والقومية الهندوسية التي تتبع للمجلس الهندوسي العالمي "فيشو هندو باريشاد"، والذي يتبع له عدد من المجموعات المسلحة ورمزها هو "تريشول"، أو الرمح الثلاثي المنسوب إلى الإلهة "شيفا". ويطلق على عمليات هذه المجموعات اسم "الإرهاب الزعفراني"؛ نسبة إلى اللون الزعفراني الذي يميز لباس رجال الدين الهندوس. وتندرج في الفئة ذاتها حركة نمور التاميل "إيلام"، في سيرلانكا.
أيضاً، هناك الرموز الأيديولوجية مثل التي تستخدمها الألوية الحمراء الماركسية اللينينية في إيطاليا، والتي اغتالت رئيس الوزراء الإيطالي ألدو مورو العام 1987؛ والدرب المضيء-الحزب الشيوعي البيروفي الذي يتبنى الماركسية اللينينية الماوية، وحركة "فارك" الكولومبية (التي يشير الاختصار إلى اسم الحركة بالإسبانية؛ قوات كولومبيا المسلحة الثورية) التي تتبنى الماركسية اللينينية.
والملاحظ أن هذه الجماعات والمنظمات من خلال استحضارها لهذه الرموز والشعارات والدلالات، تعمل على عملية قلب وإعادة بناء المعنى بشكل مصطنع، للحصول على معنى جديد باسم الجماعة أو التنظيم الإرهابي، من خلال تحويل هذا النوع من الأدوات التي أخذتها من الدين والأيديولوجيا أو من التمثّلات السابقة التي تزعم الجماعات والمنظمات الإرهابية أنها تمثلها، حسب عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل ويفيوركا.
بهذا يمكن القول إن هناك علاقة تبادلية بين الدين والأيديولوجيا والرموز: الدين والأيديولوجيا ينتجان الرموز، ثم تقوم الرموز بإنتاج خطاب وأيديولوجيا جديدين ومتطورين شكلا، لكنهما منغلقا الأفق حتى يضيع المعنى الجديد الذي يبحث عنه الإرهابيون، الأمر الذي يدفع بالنهاية إلى استمرارية دائرة العنف والإرهاب.
وأعتقد أنه من خلال محاولة فضح هذه العلاقة المعقدة، يمكن فهم الرمز والدلالة في راية "داعش" السوداء، ومشهد ارتقاء أبو بكر البغدادي المنبر في خطبته الوحيدة في الموصل بزيه المميز، ثم عملية أخذ البيعة من الناس.
ولأن هذا "البروتوكول" -حسب علمي- لم يسبقه إليه أحد (إذ لم يسبق لأسامة بن لادن أو غيره من قادة الجماعات الإرهابية أن خطب على منبر أو أخذ البيعة من الناس في المسجد)، فإنه يمكن القول -ربما- إن الرسالة أو المعنى الجديد كان محاولة إعادة وتثبيت وعي جديد وصورة مستجلبة من الماضي للخلافة الإسلامية.
كما يمكن فهم رموز ارتداء العمامة، وطرق وأساليب الحديث والخطابة، وطريقة تحريك اليد واستخدام سبابة اليد التي كانت ميزة أسامة بن لادن، ثم أصبحت هي الأخرى رمزاً وتقليداً لمن بعده.

*مدير مركز شُرُفات لدراسات العولمة والإرهاب